الهم أدم العز والتمكين والنصر والفتح المبين لعبدك المسكين، الذي أوليته أمور المسلمين واخترته على كثير من العالمين السلطان الملك الناصر، ناصر الدنيا والدين، وأبو المعالي محمد قسم أمير المؤمنين سلطان الإسلام والمسلمين، قاتل الكفرة والمشركين، قاهر الفجرة والمتمردين، حامي حوزة الدين، سلطان الديار المصرية والعراقية، والبلاد الشامية، ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين، ولد السلطان المرحوم، الملك المنصور، سيف الدنيا والدين قلاون الصالحي أدام الله أيامه، ونشر في الخافقين رايته وأعلامه، وجعل السعد والإقبال حيثما توجد أمامه، وكان ابتداء العمل في شهر ربيع الأول، وانتهاؤه في جمادى مستهل الأخير سنة إحدى وسبعمائة للهجرة النبوية انتهى. والروضة المقدسة مع آخر الجهة القبلية من المسجد الشريف مما يلي الشرق، ولها خمسة أركان خمسة صفحات وشكلها عجيب، لا يكاد يتأتى تصويره لأحد ولا تمثيله، والصفحات الأربعة محرفة من القبلة تحريفا بديعا لا يتأتى لأحد استقبالها في صلاته، لأنه ينحرف عن القبلة وقيل أن عمر بن عبد العزيز ﵁ اخترع في تدبير بنائها مخافة ان يتخذها الناس مصلى، وفي الصفحة الغربية منها صندوق من أبنوس مختم بالصندل مصفح بالفضة مكوكب بها هو قبالة رأس النبي ﷺ، وطوله خمسة أشبار وعرضه ثلاثة وارتفاعه أربعة أشبار، وفي الصفحة القبلية أمام وجه النبي ﷺ مسمار فضة هو قبالة الوجه الكريم فيقف الناس أمامه للسلام عليه ﷺ وإلى قدميه رأس أبي بكر الصديق ﵁ ورأس عمر الفاروق ﵁ مما يلي كتفي أبي بكر ﵁ فيقف المسلم مستدبر القبلة ومستقبل الوجه الكريم فيسلم ثم ينصرف إلى وجه أبي بكر، ثم إلى وجه عمر ﵄، وأمام هذه الصفحة المكرمة نحو العشرين قنديلا معلقة من الفضة، وفيها اثنان من الذهب وتوقد كل ليلة مع غيرها من الشمع العظيم العجيب، فجميع سعة الروضة المباركة من جميع جهاتها مائة شبر واثنان وسبعون شبرا، مؤزرة بالرخام البديع النحت، الرائق النعت وينتهي منها إلى نحو الثلث والى حيز الرخام تنتهي الأستار من الديباج وهي لا زوردية اللون مختمة بخواتم بيض مثمنة ومربعة، ومنظرها منظر رائق بديع الشكل، والجدار المكرم قد علاه تضميخ المسلك والطيب متراكما عليه على طول الأزمنة وتعاقب الأيام، والذي يعلو مع علو الجدار شبابيك عود متصلة بالسمك الأعلى لان أعلى الروضة المقدسة متصل بسمك الجدار الشريف، وبين الروضة المقدسة والشبابيك المباركة مدى واسع، وللشبابيك أبواب مكتوبة على كل باب منها ما نصه) بسم الله الرحمن الرحيم خدم بهذه الدار بزينة للحرم الشريف مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين أبي الفتح بيبر الصالحي، قسيم أمير المؤمنين في سنة ثمان وستين وستمائة، وفي جوفي الروضة المقدسة حوض صغير مرخم في قبلته شكل محراب قيل انه كان بيت فاطمة ﵂ وقيل أنه قبرها والله أعلم، وعن يمين الروضة المقدسة المنبر المبارك الذي قصر الصانعون عن صنعته ونبت الافهام عن مرام شبهه فقام في أدق نمنمة، وأوضح رقم من رفيع الأبنوس ونفيس الصندل الأحمر والأصفر والبقس واللبع والبقم والشوحط والقيقب بأحكم تصنيف وأبدع تركيب وما بينهما الروضة التي جاء فيها الحديث أنها من رياض الجنة فتزاحم الناس فيها للصلاة وحق لهم ذلك وبازاء الجهة القبيلة عود يقال أنه مطبق على بقية الجدع الذي حن للنبي ﷺ وقطعة منه في وسط العمود ظاهرة يقبلها الناس ويتبركون بلمسها ومسح خدودهم فيها، وطول المسجد الكريم مائة وست وتسعون خطوة وسعته مائة وست وعشرون خطوة وهو بالذراع ثلاثمائة ذراع طولا ومائتان عرضا وتكسيره من المراجع المغربية أربعة وعشرون مرجعا، وعدد سواريه ثمانمائة وتحفة من جهاته الأربع بلاطات مستديرة به ووسطه كله مفروش بالحصا والرمل وفي صحنه قبة بيضاء كبيرة أمامها خمس عشرة نخلة نصف جدار القبة الأسفل رخام موضوع أزار على أزار مختلف الصنعة واللون مجزع أبدع تجزيع، والنصف الأعلى من الجدار منزل كله بالذهب قد أنتج الصناع فيه نتائج غريبة من الصنعة فيها تصاوير أشجار مختلفات الصنعة ماثلات الأغصان فيه بثمرها، والمسجد المكرم كله على تلك الضفة لكن الصنعة
1 / 64