فاستحسن ﵁ ما ذكرته من ذلك، وأجزل صلتي مما حضر هناك، ولم أزل أتردد إليه واسمع منه، وأقرأ عليه حتى تحصلت لي منه جمل مفيدة، ومقيدات عديدة، ومما قرأت عليه بمنزله المذكور جميع الجزء الذي ألفه وخرجه عن شيوخه في أحاديث نبوية، وفوائد جمة، وجميع الجزء المسمى بتنقيح المناظرة، في تصحيح المخابرة، وجميع كتاب المنهل الروي في علوم الحديث النبوي، وهو اختصار كتاب ابن الصلاح رحمه الله تعالى، وجميع الخطب المختصرة من خطب ابن نباتة رحمه الله تعالى، ومما سمعت بلفظه بعض كتاب غرر التبيان لمن لم يسمع من القرآن، وبعض كتاب تجنيد الأجناد، في وجهات الجهاد، وبعض كتاب مستند الأجناد في آلات الجهاد، وكلها من تأليف والده سوى الجزء الأول، وتناولت ما لم يكمل لي سماعه عن يده المباركة وأخبرني بذلك سماعا عن المؤلف والده، المذكور وقرأت عليه وسمعت منه غيرها حسبما كتب لي لذلك وأجازني إجازة تامة. والثاني أعوذه بالمعوذتين والسبع المثاني الشيخ العالم الإمام الحافظ مفتي المسلمين صلاح الدين خليل بن كيكلدي بن عبد الله الملائي الشافعي الدمشقي نزيل بيت المقدس نفع الله تعالى به رجل من أكبر كبار المشرق. واستقبل بالإمامة في جميع فنون العلم ولما يشب له سواد المفرق، واستقر بالنيرين، نور علمه ونور جبينه المشرق، فجلى من حسن الصورة بما قصرت عنه مخدرات القصور، واتى من الشجاعة ما يرعد به مفارق ومفاصل الليث الهصور، ومنح من الكرم ما تخلى عنه أسخياء هذه الأزمة وكرماء هذه العصور، ولما أكمل تعالى عليه نعمته في كمال خلقته واعتدال قامته وبنيته أحب أن يزيد كمال حلاه البدنية، وصفاته بكمال نفسه السنية، وذاته البهية، فجمع في صدره ما تشتت من فنون العلم، وألقى عليه سكينة الوقار والتقى والحلم، والبس أديم الحسن ناعم ذلك الجسم، فلم تر عيني على عظيم ما رأيت من مخلوقات الله ﵎ رجلا أتم حسنا، ولا أكمل معنى، ولا أنبل تحصيلا، ولا أفضل جملة وتفضيلا، منه في صورته وسيرته وعمله، ولبسه وعقله وفضله، واعتداله وكماله وجزالته وبسالته وشجاعته وبراعته ودهائه وحيائه وحبائه وكرمه وكلمه وحفظه ولفظه وفصاحته وسماحته وذكائه ونباهته ونزاهته وعبادته وزهادته وورعه ودينه وإخلاصه ويقينه وحركاته وسكونه وتصرفاته في جميع فنونه.
لولا عجائب صنع الله ما ثبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب
1 / 53