ولك لغتك ولي لغتي. . . فمتى كنت يا فتى صاحبَ اللغة وواضعها ومنزِّل أصولها ومخرج فروعها وضابط قواعدها ومُطلق شواذها؛ ومن سلم لك بهذا حتى يسلم لك حق التصرف "كما يتصرف المالك في ملكه!.
وحتى يكون لك من هذا حق الإيجاد، ومن الإيجاد ما تسميه أنت مذهبك ولغتك؛ إنه لأهون عليك أن تولد
ولادة جديدة فيكون لك عمر جديد تبتدئ فيه الأدب على حقه من قوة
التحصيل وتستأنف دراسة اللغة بما يجعلك شيئًا فيها - من أن تلد مذهبًا جديدا أو تبتاع لغة تسميها لغتك، فإنك عُمر واحد في عصر واحد بين ملايين من الأعمار في عصور متطاولة، وإن ما تحدثه على خطأ لا يبقى على أنه صواب، ولن يبقى أبدًا إلا كما تبقى العلة على أنها علة، فلا يقاس عليها أمر الصحيح ولا يحكم بها فيمن لم يعتل.
إن أرادوا بالمذهب الجديد العلم والتحقيق وتمحيص الرأي والإبداع في
المعنى، على أن تبقى اللغة قائمة على أصولها، على أن يكون التفنن "طرائق "
كما قيل مثلًا في ابتداع القاضي الفاضل الذي سموه الطريقة الفاضلية.
لا مذاهب يراد بها إثبات ومحو - فإننا لا ندفع شيئًا من هذا ولا ننازع فيه، بل هو رأينا، بل هو رأي الحياة، بل هو قانون الطبيعة، ولكنا مع هذا نزيد عليه أن الأصل في كل ذلك سلامة اللغة وسلامة القومية، فلا ننظر في آراء الأمم إلا على أننا شرقيون، ولا ننقل من لغات الإفزنج إلا على أننا أهل لغة لها خصائصها، ولا تصرفنا مدنيتهم عن أنفسنا، ولا تأتي بسيوفهم لرقابنا.
وبنزغاتهم بقلوبنا، وكوكايينهم لأنوفنا..، بل يُؤثر الفضيلة على الرأي وإن كان من رأس المجنون "نيتشه" ونرغب في المصلحة الجافية الخشنة على المفسدة
اللينة الناعمة وإن كانت نعومة الأنوثة الباريسية.
وانظر كم بين من يسلم لفلان وغيره من علماء أوروبا لأنهم من علماء
أوروبا، وبين من لا يسلم إلا عن اقتناع وعن بينة من المصلحة والعائدة وبعد
أن تبلغ الحجة مبلغها! فهذا فلان كاتب شرقي ينزع إلى الاشتراكية ويدين بها
ويراها مائدة الخالق التي مُدت في أرضه للناس جميعًا، وينعى علينا أننا
نتجاهلها كأننا لم نلمَّ بها، على أننا نراها تلك المائدة بعينها غير أننا نزيد عليه
أنها ممدودة للناس جميعًا ليتدافع عنها الناس جميعًا فلا يصل إليها أحد. . .
1 / 14