كما رأشهم يختصرون (الطويل)، فإنهم وجدوا للعرب فيه نحوًا من ستين لفظة
أكثرها بشع شنع. . . فنبذوا جميع ذلك وتركوه واكتفوا بالطويل لخفته على
اللسان. وقع هذا ومثله في عصر بعد عصر، وما رأينا أحدًا سماه مذهبًا جديدًا أو زعمه، والقرآن نفسه مذهب جديد بكل معاني هذه الكلمة، وما قال فيه أحد هذا القول لا من أهل اللغة ولا ممن دخلوا عليها؛ وقد نقل عبد الحميد الكاتب أشياء من الأساليب الفارسية فأدخلها في كتابته، وترجم العلماء عن اللغات المختلفة أكثر مما يترجم كتاب هذه الأيام، ومنهم من كان يرجع في التصحيح وتحرير الألفاظ إلى رجال أهدفوهم لذلك من العلماء باللغة، وظهرت الأفكار المتياينة، وتعددت الأساليب في الكتابة، وافتن المتأخرون من القرن الرابع إلى التاسع في فنون من الجد والهزل، وفي نكت بديعية لم يعرفها العرب إلى أن اختلط لسانهم، وفي كل ذلك لم يقل أديب ولا عالم ولا كاتب إن له مذهبا جديدًا من مذهب قديم، لأنهم كانوا أبصر باللغة وأقدر على تصريفها وأعلم بحكمة الوضع فيها وأحرص على وجوه الفائدة منها والانتفاع بها، ثم كانت أسباب اللغة ميسرة لهم، ينشأ الناشئ منهم على حفظ ورواية، ويتلقى عن أشياخ ثقات قد أخلصوا نيتهم للعلم وناصحوا عن أنفسهم فيه وجمعوا واستوعبوا وكأنما عُصرت أرواحهم من الفنون عصرًا، وكان في الواحد منهم روح مكتبة كبرى.
فلما تعطل الزمن وأصبح الأدب صَحفيا.،. وآلت العربية وآدابها إلى
بضعة كتب مدرسية، وانزوى ذلك العلم المستطيل وأصبحت المكاتب له
كالقبور المملوءة بالتوابيت. . . "، وفشت العصبية بيتا للأجنبي وحضارته - رجع الأمر على مقدار ذلك في صغر الشأن وضعف المنزلة، واجتاج أهل هذا القليل من العربية إلى أن يعتبره كلا بنفسه لا جزءًا من كله، فكان لذلك مذهبًا وكان مذهبًا جديدًا. . .
وإذا أنت لم تجد في كل علماء المتقدمين من استطاع أن يقول إنه صاحب
مذهب جديد في اللغة أو يرى لنفسه رأيًا إلا أنه يعمل لحفظها ونمائها ورونقها، وإلا أنه يُرفق ما استطاع ويتصرف بما أطاق - فإنك واجد في أهل سنة
١٩٢٣. . . من يقول في هذه اللغة بعينها: "لك مذهبك ولي مذهبي.
1 / 13