مسألة في إثبات المحدث
ونقول: إن العالم إذا كان محدثا فلا بد له من محدث أحدثه وأنشأه، ونفى الصانع جماعة من الدهرية، ولما شاهد العقلاء كلهم أمور تحدث في العالم من الحيوانات وغيرها، وتنقل الأحوال بها، أجمعوا كلهم أنه لا بد من مؤثر لأجله تحدث، ثم اختلفوا في المؤثر.
فقال أهل التوحيد: لا بد من حي قادر عالم قديم أوجدها وأحدثها، لا من أصل، ولا من شيء، ولا يجوز حدوث جوهر من شيء، بل جميعها يخترعها الصانع اختراعا.
وذهبت الدهرية إلى أن المؤثر قوة ومادة في الأشياء، لها تحدث، وسماهم بعضهم الطبايع، والمنجمون أضافوا التأثير إلى النجوم.
ونحن نبطل مقالات القوم، ونصح أدلة الموحدين على سبيل الإيجاز والاختصار.
فيقال لهم: أليس أفعالنا تتعلق بنا وتحتاج في وجودها إلينا، ولذلك يكون وقوعها بحسب قصدنا وإرادتنا، وانتفاؤها بحسب كراهتنا وصوارفنا؟.
فإن قالوا: لا تتعلق بنا. كابروا العقول وما يعلم ضرورة، وإن قالوا: نعم.
قلنا: لماذا تحتاج إلينا في حال حدوثها أو حال عدمها أو حال بقائها؟ وأجمع العقلاء أن العدم لا يتعلق بمحدث، وأن الباقي لا يحتاج إلى فاعله حتى يبقى، فعلمنا أن الحاجة للحدوث؛ ولأن الحدوث يتعلق بحسب قصودنا ودواعينا، وانتفاء الحدوث بحسب كراهتنا، فعلم أن الحاجة للحدوث. وإذا ثبت هذا فيما يحدث من أفعالنا، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن تكون حاجته إلى المحدث كهي، وقد ثبت حدوث العالم فثبت حاجته إلى محدث.
فإن قال: إنها بطبيعة أو مادة أو قوة تحصل، على اختلاف عبارات القوم.
مخ ۴۶