فيقال لهم: هذا باطل، أليس المحدث ما لوجوده أول، والقديم ما لا أول لوجوده، والقول بأن القديم لا يتقدم المحدث، ينقض إما حقيقة القديم أو حقيقة المحدث.
ويقال له: في الحوادث ما هو قديم.
فإن قال: نعم بطل قوله أنها حوادث، وإن قال: لا.
قلنا: فوجب أن يتقدم القديم جميعها.
ويقال له: أنت بين طرفي نقيض، إما أن تقول في الأعراض ما وجوده كوجود الجسم، فإن أقررت بأن الجسم قديم وجب أن تقول: فيها ما هو قديم فبطل قولك: إنها حوادث، أو تقول: ليس فيها ما وجوده كوجود الجسم، فقد أقررت بأن الجسم خلا منها فنقض قولك: إنه لا يخلو منها.
وإن قال: كل واحد محدث والجميع قديم. كان باطلا؛ لأن من قال: كل جزء مدور والجميع مربع كان باطلا، وكذلك من قال: كل واحد من الزنج أسود والجميع ليسوا بسود.
فيقال لهم: ما تقولون في رجل قال: زيد وعمرو لم يحل أحدهما من صاحبه، ولم يسبق أحدهما الآخر، ثم علم أن لزيد عشر سنين، علم أن لعمرو أيضا كذلك، ولو قال قائل: لأحدهما عشر سنين، وللآخر عشرين سنة، عده العقلاء مناقضا كاذبا، وكذلك حال هؤلاء أقروا بالحوادث وجعلوا وجودها كوجود القديم.
ووجه آخر ويقال لهم: أليس نشاهد أشياء لم تكن ثم كانت، كالحيوانات والنبات والثمار والزروع وغيرها مما هي عليه من التراكيب العجيبة، ظاهرا وباطنا، ومع الصور المختلفة، والحواس والأعضاء والنمو والنطق والأزهار المختلفة، والألوان والطعوم والأرائح والشهوات والمشتهيات، أكان جميع هذا قديما أم حدث بعد أن لم يكن؟.
فإن قالوا: قديم، كابروا العقول، ودفعوا المشاهدات، وإن قالوا: حدث بعد أن لم يكن، فقد اعترفوا بحدوث الجسم، وإن قالوا: بعض ذلك قديم وبعضه فيه قوة ومادة تحدث منها هذه الحوادث.
مخ ۴۴