قلنا: (لكن) كلمة جمع وحذف واشتراك، أما الجمع فلأنها مبنية من (لا) على النفي، وكاف الخطاب، و(إن) الإثبات، وأما الحذف فلأنه حذف عنها الهمزة، وتقلب كسرة (إن) إلى الكاف فصار لكن، وأما الاشتراك فلأنه اجتمع فيه النفي والإثبات؛ لأنها تنفي ما قبلها، وتثبت ما بعدها، وهي تخفف وتثقل، فإذا ثقلت نصب ما بعدها، كما تنصب (أن) المشددة، فإذا خففت رفعت كما ترفع (أن) المخففة، ولا تجيء هذه الكلمة إلا بعد نفي سابق، إما مضمر، وإما مظهر، كقوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وتجيء بغير واو في ابتداء الكلام، قال تعالى: (لكن الراسخون في العلم) وإذا جاء في ابتداء الكلام كان بمعنى الواو، كأنه قيل: والراسخون في العلم منهم.
* * *
(النزول)
قيل: نزلت الآية في اليهود، وقيل: في المنافقين، وهو أوجه لما يدل عليه نظم الكلام.
* * *
(المعنى)
بين تعالى جواب المنافقين عند دعائهم إلى الإيمان، فقال تعالى: (وإذا) يعني الرسول والمؤمنين (لهم) يعني اليهود، وقيل: المنافقين آمنوا كما آمن الناس قيل: صدقوا بمحمد وما أنزل عليه كما صدق الناس، وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيل: مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره، وقيل: صدقوا مع مجانبة الكفار، وإظهار عداوتهم، كما فعله المؤمنون، عن أبي علي.
ومتى قيل: كيف قال: كما آمن الناس؟
قلنا: الألف واللام تدخل للجنس وللعهد، وهاهنا للعهد، وهم المؤمنون، وقيل: هو عموم أريد به الخصوص قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء الجهال في الحقيقة ولكن لا يعلمون أنهم كذلك، وقيل: لا يعلمون ما عليهم فيه.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على حسن الدعاء إلى الإسلام بذكره المسلمين وما هم عليه وما يرجون.
وتدل على عظم جهل القوم حيث تجاسروا على مثل هذا القول.
وتدل على بطلان قول أصحاب المعارف حيث وصفهم بالسفه، وهو الجهل، وبأنهم لا يعلمون.
مخ ۲۵۴