وقيل: إنه ذم لهم بأنها كالمختوم عليها، كقوله: (صم بكم عمي) قال الشاعر: أصم عما ساءه سميع لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ومعناه أن الكفر تمكن في قلوبهم فصارت كالمختوم عليها، وصارت أسماعهم لا يصل إليها السمع، ثم أكد ذلك بقوله: وعلى أبصارهم غشاوة أي صاروا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم، ولا يبصر في معنى قول الأصم وأبي مسلم وأبي بكر أحمد بن علي، وقيل: ختم أي حكم الله عليهم، وشهد عليها بأنها لا تقبل الحق، وهو من قولهم: ختمت عليك بأنك لا تفلح، أي شهدت عليك وحكمت، وقيل: المراد به الاستفهام، فحذف ألف الاستفهام، وتقديره: أختم، قال الشاعر: بسبع رمين الجمر أم بثمان ومتى قيل: لم أضاف الختم إلى نفسه؟
قلنا: على التأويل الأول؛ لأنه جعل ذلك في قلوبهم، وعلى الثاني لأنه كان عند دعائه كقولهم: ما زدتك بموعظتي إلا شرا، وذلك توسع، وعلى الثالث ختم بمعنى حكم أنهم بهذه الصفة، وعلى الرابع هو بمعنى الإنكار أي ما ختم.
ومتى قيل: لم خص هذه الأعضاء بالذكر ؟
قلنا: لأنها طريق العلم، فالقلب محل العلم، وطريقه إما السماع أو الرؤية.
ومتى قيل: بغير قلتم: إن الختم يمنع من الإيمان؟
قلنا: لوجوه: منها: أنه لو منع منه، وقد أمر به لكان تكليفا لما لا يطاق.
ومنها: أنه أخبر أن بعضهم يؤمن، فقال: (فلا يؤمنون إلا قليلا) فلو منع لمنع الجميع.
ومنها: أن السمع والبصر لا تعلق لهما بالإيمان.
ومنها: أنهم كانوا يسمعون ويبصرون.
ومنها: أن الختم لا يكون منعا إذا قدر على رفعه كختم الكتاب.
ومنها: أن الختم في اللغة بمعنى المنع غير مسموع ولا موجود.
ومنها: أن المنع من الإيمان قبيح، ولا يقال: إنه عقوبة لهم؛ لأنه عطف عليه بقوله: (ولهم عذاب عظيم) دل أنه غير المعطوف عليه، ولأنه يكون في كفره أتي من قبل ربه، ولأنه لا يكون له طريق إلى التخلص مع بقاء التكليف، ولو جاز أن يمنع من الإيمان، ثم يعاقب عليه، لجاز أن يكلف الأعمى النظر، والمقعد القيام، ويعاقب
مخ ۲۴۰