تَنْبِيهَانِ:
أَحدهمَا: الْحَاصِل من الْفرق بَين تَعْرِيف الدَّلِيل على رَأْي الْفُقَهَاء، وتعريفه على رَأْي المناطقة: أَن الدَّلِيل عِنْد المناطقة / هُوَ الْمَادَّة وَالصُّورَة وَعند غَيرهم هُوَ الْمَادَّة فَقَط، فَإِذا أُرِيد الدَّلِيل على إِثْبَات الصَّانِع بحدوث مصنوعه - وَهُوَ الْعَالم - كَانَ مَجْمُوع قَوْلنَا: (الْعَالم حَادث وكل حَادث لَهُ صانع) هُوَ الدَّلِيل على أَن الْعَالم لَهُ صانع عِنْد المناطقة، وَالدَّلِيل عِنْد غَيرهم (الْعَالم) فَقَط؛ لِأَن النّظر فِيهِ يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب، أما بعد أَن يَتَرَتَّب وَيحصل الْمَطْلُوب [فَكيف] يكون دَلِيلا؟ وَرجح رَأْي المناطقة؛ بِأَن النّظر إِلَى دلَالَة الشَّيْء بِالْفِعْلِ أقوى من النّظر إِلَيْهِ بِاعْتِبَار دلَالَته بِالْقُوَّةِ، وَالله أعلم.
الثَّانِي: إِذا كَانَ مُقَدمَات الدَّلِيل كلهَا قَطْعِيَّة لم ينْتج إِلَّا [قَطْعِيا]، وَيُسمى حِينَئِذٍ برهانًا، كَمَا تقدم فِي: (الْعَالم حَادث)، وَإِن كَانَت مقدماته كلهَا أَو بَعْضهَا ظنية لم ينْتج إِلَّا ظنيًا؛ لِأَن النتيجة دَائِما تتبع أدون المقدمتين.
مِثَاله: الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية، ينْتج: أَن الْوضُوء بنية.
وَمِثَال مَا [إِحْدَى] مقدماته قَطْعِيَّة وَالْأُخْرَى ظنية: قَوْلنَا: صَلَاة الظّهْر فرض، وكل فرض يشرع لَهُ الْأَذَان، فَصَلَاة الظّهْر يشرع لَهَا الْأَذَان، فَالْأولى قَطْعِيَّة وَالثَّانيَِة ظنية.