وكذلك الحشائش والعقاقير إنما تتولد بالتركيب، لا بالطبع المبسوط مثل ملوحة ماء البحر وكون الرمال. لأن البخارات الصاعدة، إذا عقدت، أمكنت الحشائش ووقع الندى وخلخل الموضع فتألف منه على حسب قوى الكواكب أشكال ذلك الزرع. فأما المادة فواحدة، أعنى مادة الماء، وإن كان كثير اختلاف الأجناس، ولن يصعد من الماء إلا الماء العذب، وكذلك الماء المالح فى الوزن أكثر؛ وكذلك الشىء الصاعد من الماء ألطف من الماء. فاذا جذبه الهواء لطف وتصاعد إلى العلو، فمن هنا صارت العيون والأنهار فوق الجبال وصعد البلغم والدم إلى الدماغ، وكذلك الأغذيه كلها تتصاعد إلى العلو. وكذلك جميع المياه: فأما الماء المالح فيتصاعد عذبا 〈حيث〉 تنفتق الحرارة إلى جنس الهوائية. فلما كان الهواء فوق الماء، كان ما يتصاعد من الماء المالح عذبا. وقد نجد ذلك فى الحمام: وذلك أن الماء المالح إذا أخذته السخونة لطفت أجزاؤه فصعد بخارا على ضد ما كان فى أسفل الحمام فتفرقت أجزاء الملوحة بالرطوبة الطبيعية التى من جنس الهواء وتتابع البخار يتلو بعضه بعضا فى العلو، فحصرته عند تناهيه حجاب الحمام، واجتمع وتكاثف ورجع إلى أسفل قطر الماء عذبا، وكذلك فى جميع الحمامات المالحة يكون بخارها عذبا.
مخ ۲۶۹