تفسير میزان
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرونه
أقول: استدلاله (عليه السلام) في غاية الظهور، فإن إبراهيم (عليه السلام) إنما سأل أمة مسلمة من ذريته خاصة، ومن المعلوم من ذيل دعوته: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم إه: أن هذه الأمة المسلمة هي أمة محمد " (صلى الله عليه وآله وسلم)" لكن لا أمة محمد بمعنى الذين بعث " (صلى الله عليه وآله وسلم)" إليهم ولا أمة محمد بمعنى من آمن بنبوته فإن هذه الأمة أعم من ذرية إبراهيم وإسماعيل بل أمة مسلمة هي من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ثم سأل ربه أن يجنب ويبعد ذريته وبنيه من الشرك والضلال وهي العصمة، ومن المعلوم أن ذرية إبراهيم وإسماعيل - وهم عرب مضر أو قريش خاصة فيهم ضال ومشرك فمراده من بنيه في قوله: وبني، أهل العصمة من ذريته خاصة، وهم النبي وعترته الطاهرة، فهؤلاء هم أمة محمد " (صلى الله عليه وآله وسلم)" في دعوة إبراهيم (عليه السلام)، ولعل هذه النكتة هي الموجبة للعدول عن لفظ الذرية إلى لفظ البنين، ويؤيده قوله: فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم الآية.
حيث أتى بفاء التفريع وأثبت من تبعه جزءا من نفسه، وسكت عن غيرهم كأنه ينكرهم ولا يعرفهم، هذا.
وقوله (عليه السلام): فسأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الأصنام، إنما سأل إبراهيم (عليه السلام) التطهير من عبادة الأصنام إلا أنه (عليه السلام) علله بالضلال فأنتج سؤال التطهير من جميع الضلال من عبادة الأصنام ومن أي شرك حتى المعاصي، فإن كل معصية شرك كما مر بيانه في قوله تعالى: "صراط الذين أنعمت عليهم": فاتحة الكتاب - 6. وقوله (عليه السلام): وفي هذا دلالة على أنه لا يكون الأئمة والأمة المسلمة، إلخ أي إنهما واحد، وهما من ذرية إبراهيم كما مر بيانه.
فإن قلت: لو كان المراد بالأمة في هذه الآيات ونظائرها كقوله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس":، آل عمران - 110، عدة معدودة من الأمة دون الباقين كان لازمه المجاز في الكلام من غير موجب يصحح ذلك ولا مجوز لنسبة ذلك إلى كلامه تعالى، على أن كون خطابات القرآن متوجهة إلى جميع الأمة ممن آمن بالنبي ضروري لا يحتاج إلى إقامة حجة.
قلت: إطلاق أمة محمد وإرادة جميع من آمن بدعوته من الاستعمالات المستحدثة بعد نزول القرآن وانتشار الدعوة الإسلامية وإلا فالأمة بمعنى القوم كما قال تعالى "على أمم ممن معك وأمم سنمتعهم": هود - 48، وربما أطلق على الواحدة كقوله تعالى "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله": النحل - 120، وعلى هذا فمعناها من حيث السعة والضيق يتبع موردها الذي استعمل فيه لفظها، أو أريد فيه معناها.
فقوله تعالى: ربنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك الآية - والمقام مقام الدعاء بالبيان الذي تقدم - لا يراد به إلا عدة معدودة ممن آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا قوله: كنتم خير أمة أخرجت للناس وهو في مقام الامتنان وتعظيم القدر وترفيع الشأن لا يشمل جميع الأمة، وكيف يشمل فراعنة هذه الأمة ودجاجلتها الذين لم يجدوا للدين أثرا إلا عفوه ومحوه، ولا لأوليائه عظما إلا كسروه وسيجيء تمام البيان في الآية إن شاء الله فهو من قبيل قوله تعالى لبني إسرائيل: "وأني فضلتكم على العالمين": البقرة - 47، فإن منهم قارون ولا يشمله الآية قطعا، كما أن قوله تعالى: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا": الفرقان - 30، لا يعم جميع هذه الأمة وفيهم أولياء القرآن ورجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى.
وأما قوله تعالى: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون": البقرة - 134، فالخطاب فيه متوجه إلى جميع الأمة ممن آمن بالنبي، أو من بعث إليه.
مخ ۱۷۲