تفسير میزان
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
ژانرونه
وأما قوله: إن شرف الأنبياء والمعاهد والأمور المنسوبة إليهم كالبيت والحجر الأسود ليس شرفا ظاهريا بل شرف معنوي ناش عن التفضيل الإلهي فكلام حق، لكن يجب أن يفهم منه حق المعنى الذي يشتمل عليه، فما هذا الأمر المعنوي الذي يتضمن الشرافة؟ فإن كان من المعاني التي يعطيها الاحتياجات الاجتماعية لموضوعاتها وموادها نظير الرتب والمقامات التي يتداولها الدول والملل كالرئاسة والقيادة في الإنسان وغلاء القيمة في الذهب والفضة وكرامة الوالدين وحرمة القوانين والنواميس فإنما هي معان يعتبرها الاجتماعات لضرورة الاحتياج الدنيوي، لا أثر منها في خارج الوهم والاعتبار الاجتماعي، ومن المعلوم أن الاجتماع الكذائي لا يتعدى عالم الاجتماع الذي صنعته الحاجة الحيوية، والله عز سلطانه أقدس ساحة من أن يتطرق إليه هذه الحاجة الطارقة على حياة الإنسان، ومع ذلك فإذا جاز أن يتشرف النبي بهذا الشرف غير الحقيقي فليجز أن يتشرف بمثله بيت أو حجر، وإن كان هذا الشرف حقيقيا واقعيا من قبيل النسبة بين النور والظلمة، والعلم والجهل، والعقل والسفه بأن كان حقيقة وجود النبي غير حقيقة وجود غيره وإن كانت حواسنا الظاهرية لا تنال ذلك وهو اللائق بساحة قدسه من الفعل والحكم، كما قال الله تعالى: "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق، ولكن أكثرهم لا يعلمون": الدخان - 39 وسيجيء بيانه كان ذلك عائدا إلى نسبة حقيقية معنوية غير مادية إلى ما وراء الطبيعة، فإذا جاز تحققها في الأنبياء بنحو فليجز تحققها في غير الأنبياء كالبيت والحجر ونحوهما وإن وقع التعبير عن هذه النسب الحقيقية المعنوية بما ظاهره المعاني المعروفة عند العامة التي اصطلحت عليه أهل الاجتماع.
وليت شعري: ما ذا يصنعه هؤلاء في الآيات التي تنطق بتزيين الجنة وتشريف أهلها بالذهب والفضة، وهما فلزان ليس لهما من الشرف إلا غلاء القيمة المستندة إلى عزة الوجود؟ فما ذا يراد من تشريف أهل الجنة بهما؟ وما الذي يؤثره معنى الثروة في الجنة ولا معنى للاعتبار المالي في الخارج من ظرف الاجتماع؟ فهل لهذه البيانات الإلهية والظواهر الدينية وجه غير أنها حجب من الكلام وأستار وراءها أسرار؟ فلئن جاز أمثال هذه البيانات في أمور نشأة الآخرة فليجز نظيرتها في بعض الأمور نشأة الدنيا.
وفي تفسير العياشي، عن الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن أمة محمد " (صلى الله عليه وآله وسلم)" من هم؟ قال أمة محمد " (صلى الله عليه وآله وسلم)" بنو هاشم خاصة قلت: فما الحجة في أمة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: قول الله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسمعيل - ربنا تقبل منا، إنك أنت السميع العليم - ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، فلما أجاب الله إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذريتهما أمة مسلمة وبعث فيها رسولا منهم يعني من تلك الأمة يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وردف دعوته الأولى دعوته الأخرى فسأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الأصنام ليصح أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم، فقال: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام - رب إنهن أضللن كثيرا من الناس، فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم، ففي هذا دلالة على أنه لا يكون الأئمة والأمة المسلمة التي بعث فيها محمدا إلا من ذرية إبراهيم لقوله: اجنبني وبني أن نعبد الأصنام.
مخ ۱۷۱