214

تفسير کبير

التفسير الكبير

ژانرونه

ومعنى كفرهم بالمسجد الحرام: أن الله جعل المسجد الحرام للمؤمنين ولعبادتهم إياه فيه، فلما جعله الكفار لأوثانهم ومنعوا المسلمين منه، كان ذلك كفرا منهم بالمسجد الحرام.

قوله عز وجل: { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا }؛ معناه: لا يزال أهل مكة يقاتلونكم أيها المسلمون حتى يصرفونكم عن دينكم الإسلام إلى دينهم الكفر إن قدروا على ذلك، ثم حذر الله المؤمنين ليثبتوا على الإسلام فقال عز وجل: { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }؛ أي من يرجع منكم عن دين الإسلام فيمت على كفره، { فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } أي التي عملوها للآخرة؛ أي لا يبقى لعمل من أعمالكم ثواب يجازون به في الدارين، الآية: { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } مقيمون دائمون.

والصد والصرف والمنع، يقال: صد يصد صدا؛ إذا صرف غيره عن الشيء، وصد يصد صدودا؛ إذا أعرض بنفسه. ومن قرأ (يرتدد) بدالين فهو لغة أهل الحجاز، أظهروا التضعيف حذرا من التقاء الساكنين، ومن قرأ (يرتد) بالتشديد فهو لغة بني تميم أدغموا الحرفين من جنس واحد وحركوه إلى الفتحة. وقوله: { فيمت } جزم بالعطف على (يرتد) ولو كان جوابا لكان رفعا. وأكثر الأمة على أن النهي عن القتال في الشهر الحرام منسوخ؛ نسخته سورة براءة، وهو قوله تعالى:

قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر

[التوبة: 29]؛ لأنها نزلت بعد حظر القتال في الشهر.

فإن قيل: إذا كان نفس الارتداد يحبط العمل حتى يبطل حجة الذي أداه، فأين فائدة قوله: { فيمت وهو كافر }؟ قيل: إنما ذكر الله تعالى في هذه الآية أمر الآخرة لا أمرا يرجع إلى إحباط عمله في الماضي؛ إذ المعلوم من حال المرتد أنه إذا عاد إلى الإسلام والتوبة والعمل الصالح ومات على ذلك لا يعاقب في الآخرة، فلما جمع الله في هذه الآية بين إحباط عمله فيما يتصل بالدنيا والآخرة حتى يزول ثوابه إلى العقاب الدائم، كذلك شرط موته على الكفر.

روي في التفسير: أنه لما نزلت هذه الآية قام عبدالله بن جحش وأصحابه؛ فقالوا: يا رسول الله، أنطمع من ربنا أن تكون لنا هذه غزوة في الجهاد، فنزل قوله تعالى: { إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم }؛ معناه أن الذين صدقوا وهاجروا من مكة إلى المدينة وجاهدوا في محاربة المشركين في طاعة الله تعالى أهل هذه الصفة، يعطون مغفرة الله تعالى وجنته، { والله غفور } لما كان منهم من القتال والأسر وأخذ الغنيمة في الشهر الحرام، { رحيم } بهم حين رفع إثم ذلك عنهم.

والمهاجرة: مفاعلة من الهجر، وفي هذا الموضع هجران الموطن والعشيرة في رضا الله تعالى، والهجر نقيض الوصل، وأطلق اللفظ في هذه الآية على المفاعلة، ويزاد ما ذكرناه؛ ونظيره المساعدة: وهي ضم الرجل ساعده إلى ساعد أخيه بالتقوية والمعونة. وأما المجاهدة: فهي بذل الرجل الجهد من نفسه مع إخوانه، ويجوز أن يراد بذلك أن يبذل الجهد في قتال عدوه، وقد فعل العدو مثل فعله، فيصير مفاعلة.

وإنما قال الله تعالى: { أولئك يرجون رحمت الله } لأن أحدا لا يعلم أنه صابر إلى أن يبلغ في الطاعة كل مبلغ؛ إلا بخبر الله تعالى أو بخبر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يدري لعله قصر في شيء من الواجبات، وما يدري ما الذي يكون منه وما بينه وبين موته، ولا يعلم أحد من المسلمين بما يختم له، ختم الله لنا بالسعادة والشهادة.

[2.219]

ناپیژندل شوی مخ