105

Tafsir Al-'Uthaymeen: Faatir

تفسير العثيمين: فاطر

خپرندوی

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٣٦ هـ

د خپرونکي ځای

المملكة العربية السعودية

ژانرونه

يؤثِّرُ عليه ويَضُرُّه، كما أنَّه لا مانِعَ من أن يتناولَ ما تَشْتَهيهِ نَفْسُه وإن كان في بَعْضِ الحالات ضَرَرًا عليه. وقد ذكر ابنُ القَيِّمِ ﵀ في (زادِ المعادِ) (^١) أنَّ في طَلَبِ النَّفْسِ الشَّيْءَ أثرًا كبيرًا في انتفاءِ مَضَرَّتِه، وضرب لذلك مَثَلًا كما أظُنُّ (المَيْتَة خَبيثَة مُضِرَّة) فإذا اضْطُرَّ الإِنْسَانُ إليها واشْتَدَّتْ حاجَتُه وضَرُورَتُه صارَتِ النَّفْسُ تَقْبَلُها وتَسْتَسيغُها، ثم تَهْضِمُها فلا تَضُرُّها؛ لأن المَيْتَة لو كانت تَضُرُّ المُضْطَرَّ ضَرَرَ غَيْرِ المُضْطَرِّ، لكان حِلُّها له يَتَضَمَّنُ قَتْلَ نَفْسِه؛ ولذلك لو اضْطُرَّ إلى أكلٍ وليس عِنْدَه إلا سُمٌّ لم يَحِلَّ له أن يأكُلَ السُّمَّ. وضرب مثلًا لذلك أيضًا بقِصَّةِ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ كان أَرْمَدَ؛ أي: تُؤْلِمُه عَيْنُه من رمدٍ كان بها، فَجِيءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ بِتَمْرٍ، فأكَلَ منه النَّبِيُّ ﵊ وذهب صُهَيْبٌ لِيَأْكُلَ، فقال له النَّبِيُّ ﵊: "إنَّكَ أَرْمَدُ"؛ ومَعْروفٌ أنَّ الذي في عَيْنِهِ رَمَدٌ لا يأكلُ التَّمْرَ، فقال: يا رَسولَ اللهِ أَمْضُغُهُ من الجانِبِ الآخَرِ، فمثلًا إذا كان في عَيْنِه اليُمْنَى فيها رَمَدٌ يَمْضُغُه من الجانِبِ الأَيْسَرِ، فضَحِكَ النَّبِيُّ ﵊، وقال له: "كُل" (^٢) لأن نَفْسَه الآن كانت تَطْلُبه طلَبًا قويًّا، وهذا الطَّلَبُ يُزيلُ الضَّرَر. فالمُهِمُّ أنَّ الشَّيْء الذي لا يُسْتَساغُ لا يَنْبَغي للإِنْسَانِ أن يَتَناوَلَه ويُكْرِه نَفْسَه عليه؛ ولهذا قيل: (كُلْ ما يَشْتَهي بَطْنُك، ولا تَأْكُلْ ما يَشْتَهي فمُك)، وهل هذا يَصِحُّ أو لا يَصِحُّ؟ الجواب: يَصِحُّ؛ لأن بعضَ النَّاسِ يَتَلَذَّذُ بنوعٍ من الطَّعامِ لكن باطِنُه لا يَقْبَلُه،

(^١) زاد المعاد (٤/ ٩٧). (^٢) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٦١)، وابن ماجه: كتاب الطب، باب الحمية، رقم (٣٤٤٣).

1 / 109