الآية (٢١)
* * *
* قالَ اللَّه ﷿: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ [العنكبوت: ٢١].
* * *
قولُهُ: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ يعْنِي: بعدَ البعثِ يُعذِّب من يشاءُ، ويجوز أن يكونَ العذابُ في الدنيا؛ لأنَّ العذابَ يكونُ في الدنيا ويكونَ في الآخرَةِ، فالعقوباتُ التي رُتِّبَتْ على الجرائمِ من العَذابِ، لقولِ النبيِّ ﷺ في المتَلَاعِنَيْنِ: "عَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ" (^١)، وكذلك ما يُصِيبُ الإنسانَ من المصائبِ في بَدَنِهِ وأهلِهِ ومالِهِ هو أيضًا من العَذابِ، قال ﷾: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠].
وقوله: ﴿يُعَذِّبُ﴾ أتى بالفِعْلِ المضارعِ الدَّالِّ على أن هذا الأمر مِن أفعالِهِ مسَتَمِرٌّ، ليس أمرًا مَضَى وانقَطَع، فكما أنه يكونُ في الحاضِرِ، يكون أيضًا في المستقَبلِ، والعذابُ هو العقوبة، أي: يُعَاقَبُ.
وقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ تقدَّمَ كثيرًا أن اللَّه ﷾ إذا أضافَ الفعل إلى المشيئةِ فإنه يكون مَقْرُونًا بالحِكْمَةِ؛ لأن اللَّه ﷾ لا يفْعَلُ لمجرَّدِ المشيئةِ، بل كلُّ ما يَفْعَلُه ﷾ فهو بمشِيئَتِهِ المقرُونَةِ بالحكمة، وهذا أمرٌ واضِحٌ، فإن من يُعذَّب