ومن أحسن قولا ممن دعآ إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين
[فصلت: 33]. فالشرط الأول هو الدعوة إلى الله، والشرط الثاني العمل الصالح. وقوله
إنني من المسلمين
[فصلت: 33] لم ينسب الفضل لنفسه أو لذاته. ولكنه نسب الفضل إلى الإسلام. ولكن قولوا لي: أي فائدة أن نقول إننا مسلمون ونعمل بعمل غير المسلمين؟ إذن فقوله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } [البقرة: 44] يذكر الله بأن اليهود يقولون ما لا يفعلون. ولو كانوا يؤمنون حقا بالتوراة لآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالإسلام. لأن ذلك أمر في التوراة، ولكنهم نسوا أنفسهم. فهم أول مخالف للتوراة لأنهم لم يتبعوها.. وهم يتلون كتابهم الذي يأمرهم بالإيمان الجديد. ومع أنهم متأكدون من صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلا أنهم لا يؤمنون. ولو كان عندهم ذرة من العقل لآمنوا بما يطلبه منهم كتابهم الذي يتلونه. ولكنهم لا يفكرون بعقولهم، وإنما يريدون علوا في الأرض. والآية - كما قلنا - لا تنطبق على اليهود وحدهم بل على كل من يسلك هذا السلوك.
[2.45]
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى أن الإيمان قدوة، وبعد أن لفتنا إلى أن التوراة تطالب اليهود بأن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام. يطلب الله سبحانه وتعالى الاستعانة بالصبر والصلاة، ومعنى الاستعانة بالصبر أن هناك أحداثا شاقة ستقع. وأن المسألة لن تكون سهلة، بل تحتاج إلى جهد. فالصبر معناه حمل النفس على أمر صعب، وهم ماداموا قد تعودوا على شراء آيات الله بثمن قليل.. لأنهم قلبوا الصفقة، فجعلوا آيات الله ثمنا لمتع الدنيا. واشتروا بها متعهم وملذاتهم. وبعد أن تعودوا على الربا وغيره من وسائل الكسب الحرام لابد أن يستعينوا بالصبر إذا أرادوا العودة إلى طريق الإيمان. وكما قلنا، فإن المسألة ليست بخصوصية الموضوع ولكن بعموم السبب. فإنها موجهة للجميع. فكل مؤمن يدخل منهج الإيمان محتاج إلى الاستعانة بالصبر ليحمل نفسه على مشقة المنهج وتكاليفه. وليمنع نفسه عن الشهوات التي حرمها الله سبحانه وتعالى. والصبر في الآية الكريمة فسره بعض العلماء بأنه الصيام، فكأن الله تعالى يأمرهم أن يجوعوا ويصبروا على ألم الجوع. ومشقة الإيمان والصلاة كما قلنا خشوع وخضوع وذلة لله.. تنهي استكبارهم بأن يؤمنوا بدين لم ينزل على أحد من أحبار اليهود. والحق سبحانه وتعالى يقول: { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } [البقرة: 45]. ويطلب الحق في قوله: { واستعينوا بالصبر والصلاة } [البقرة: 45] الاستعانة بشيئين هما الصبر والصلاة. وكان سياق الآية يقتضي أن يقال: " وأنهما " لكن القرآن قال: { وإنها لكبيرة } [البقرة: 45] فهل المقصود واحدة منهما. الصلاة فقط. أم الصبر؟ نقول إنه عندما يأتي أمران منضمان إلى بعضهما لا تستقيم الأمور إلا بهما معا.. يكونان علاجا واحدا.. واقرأ قوله تعالى:
يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين
[التوبة: 62]. فقال يرضوه ولم يقل يرضوهما. نفس التفسير السابق نفهمه: ليس لله حق ولرسوله حق. ولكن الله ورسوله يلتقيان على حق واحد. وكذلك قوله تعالى:
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قآئما..
[الجمعة: 11]. وكان المفروض أن يقال إليهما. ولكن التجارة واللهو لهما عمل واحد هو شغل المؤمنين عن العبادة والذكر: { واستعينوا بالصبر والصلاة } [البقرة: 45] لأن العلاج في الصبر مع الصلاة. والصبر كبير أن تتحمله النفس، وكذلك الصلاة لأنهما يأخذان من حركة حياة الإنسان. والصبر هنا مطلوب ليصبروا على ما يمتنعون عنه من نعيم الدنيا وزخرفها. والصلاة تحارب الاستكبار في النفس، فكأن الوصفة الإيمانية لا تتجزأ. فلا يتم الصبر بلا صلاة، ولا تتقن الصلاة إلا بالصبر. وقوله تعالى: { إلا على الخاشعين } [البقرة: 45].. ما معنى الخشوع؟ الخشوع هو الخضوع لمن ترى أنه فوقك بلا منازع.
ناپیژندل شوی مخ