تفسير الشعراوي

Al-Sharaawi d. 1418 AH
91

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

ژانرونه

[الأعراف: 156-157]. فالحق سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل في هذه الآية الكريمة بالعهد الذي أخذه عليهم، وينذرهم أن رحمته هي للمؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم متى جاءت رسالته. وقوله تعالى: { وإياي فارهبون } [البقرة: 40] أي أنه لا توجد قوة ولا قدرة في الكون إلا قوة الله سبحانه وتعالى. ولذلك فاتقوا يوما ستلاقون فيه الله ويحاسبكم. وهو سبحانه وتعالى قهار جبار، ولا نجاة من عذابه لمن لم يؤمن.

[2.41]

بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بالعهود التي قطعوها على أنفسهم سواء بعدم التبديل والتغيير في التوراة لإخفاء أشياء وإضافة أشياء، وذكرهم بعهدهم بالنسبة للإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافه في التوراة حتى أن الحبر اليهودي ابن سلام كان يقول لقومه في المدينة: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشد، أي أنه كان يذكر قومه أن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الموجودة في التوراة لا تجعلهم يخطئونه. قال الحق تبارك وتعالى: { وآمنوا بمآ أنزلت مصدقا لما معكم } [البقرة: 41] لأن القرآن مصدق للتوراة. والقصد هنا التوراة الحقيقية قبل أن يحرفوها. فالقرآن ليس موافقا لما معهم من المحرف أو المبدل من التوراة، بل هو موافق للتوراة التي لا زيف فيها. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: { ولا تكونوا أول كافر به } [البقرة: 41].. ولقد قلنا إن اليهود لم يكونوا أول كافر بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما كانت قريش قد كفرت به في مكة. المقصود في هذه الآية الكريمة أول كافر به من أهل الكتاب. لماذا؟ لأن قريشا لا صلة لها بمنهج السماء، ولا هي تعرف شيئا عن الكتب السابقة، ولكن أحبار اليهود كانوا يعرفون صدق الرسالة، وكانوا يستفتحون برسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المدينة ويقولون: " جاء زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم ". ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلا من أن يسارعوا بالإيمان به كانوا أول كافر به. والله سبحانه وتعالى لم يفاجئ أهل الكتاب بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما نبههم إلى ذلك في التوراة والإنجيل. ولذلك كان يجب أن يكونوا أول المؤمنين وليس أول الكافرين، لأن الذي جاء يعرفونه. وقوله تعالى: { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } [البقرة: 41] الحق سبحانه وتعالى حينما يتحدث عن الصفقة الإيمانية يستخدم كلمة الشراء وكلمة البيع وكلمة التجارة. اقرأ قوله تعالى:

إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..

[التوبة: 111]. وفي آية أخرى يقول:

هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم..

[الصف: 10-11]. إن الحق سبحانه وتعالى استعمل كلمة الصفقة والشراء والبيع بعد ذلك في قوله تعالى:

يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع..

[الجمعة: 9]. ونعلم أن التجارة هي وساطة بين المنتج والمستهلك.. المنتج يريد أن يبيع إنتاجه، والمستهلك محتاج إلى هذا الإنتاج، والربح عملية تطول فترة، وتقصر فترة مع عملية تحرك السلعة والإقبال عليها إن كان سريعا أو بطيئا.

وعملية الاتجار استخدمها الله سبحانه وتعالى ليبين لنا أنها أقصر طريق إلى النفع. فالتجارة تقوم على يد الإنسان. يشتري السلعة ويبيعها، ولكنها مع الله سيأخذ منك بعضا من حرية نفسك ليعطيك أخلد وأوسع منها. وكما قلنا: لو قارنا بين الدنيا بعمرها المحدود - عمر كل واحد منا - كم سنة؟ خمسين.. ستين.. سبعين!! نجد أن الدنيا مهما طالت ستنتهي والإنسان العاقل هو الذي يضحي بالفترة الموقوته والمنتهية ليكون له حظ في الفترة الخالدة. وبذلك تكون هذه الصفقة رابحة. إن النعيم في الدنيا على قدر قدرات البشر، والنعيم في الآخرة على قدر قدرات الله سبحانه وتعالى. يأتي الإنسان ليقول: لماذا أضيق على نفسي في الدنيا؟ لماذا لا أتمتع؟ نقول له: لا.. إن الذي ستناله من العذاب والعقاب في الآخرة لا يساوي ما أخذته من الدنيا.. إذن الصفقة خاسرة. أنت اشتريت زائلا، ودفعته ثمنا لنعيم خالد. والله سبحانه وتعالى يقول لليهود: { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } [البقرة: 41] أي لا تدفعوا الآيات الإيمانية التي أعطيت لكم لتأخذوا مقابلها ثمنا قليلا.. وعندما يأخذ الإنسان أقل مما يعطي.. فذلك قلب للصفقة، والقلب تأتي منه الخسارة دائما. وكأن الآية تقول: تدفعون آيات الله التي تكون منهجه المتكامل لتأخذوا عرضا من أعراض الدنيا قيمته قليلة ووقته قصير. هذا قلب للصفقة. ولذلك جاء الأداء القرآني مقابلا لهذا القلب. ففي الصفقات.. الأثمان دائما تدفع والسلعة تؤخذ. ولكن في هذه الحالة التي تتحدث عنها الآية في قوله تعالى: { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } [البقرة: 41] قد جعلت الثمن الذي يجب أن يكون مدفوعا جعلته مشترى.. وهذا هو الحمق والخطأ. الله يقول { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } [البقرة: 41] أي لا تقلبوا الصفقة.. الشيء الذي كان يجب أن تضحوا به لا تجعلوه ثمنا. لأنك في هذه الحالة تكون قد جعلت الثمن سلعة. ما دمت ستشتري الآيات بالثمن.. فقد جعلت آيات الله ثمنا لتحصل على مكاسب دنيوية. وليتك جعلتها ثمنا غاليا، بل جعلتها ثمنا رخيصا. لقد تنكرت لعهدك مع الله ليبقى لك مالك أو مركزك!! أما إذا ضحى الإنسان بشيء من متع الدنيا.. ليأخذ متع الآخرة الباقية.. فتكون هذه هي الصفقة الرابحة. ذلك لأن الإنسان في الدنيا ينعم على قدر تصوره للنعيم، ولكنه في الآخرة ينعم على قدر تصور الله سبحانه وتعالى في النعيم. بعض الذين لا يريدون أن يحملوا أنفسهم على منهج الله يستعجلون مكاسب الصفقة استعجالا أحمق. إنهم يريدون المتعة حراما أو حلالا.. نقول لكل واحد منهم: إن كنت مؤمنا بالآخرة أو غير مؤمن فالصفقة خاسرة، لأنك في كلتا الحالتين ستعذب في النار.

ناپیژندل شوی مخ