85

تفسير ابن باديس

تفسير ابن باديس ((في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)).

پوهندوی

علق عليه وخرج آياته وأحاديثه أحمد شمس الدين.

خپرندوی

دار الكتب العلمية بيروت

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٦هـ - ١٩٩٥م.

د خپرونکي ځای

لبنان.

ژانرونه

دع ما يطرأ عليها بعد اتصالها بالبدن من تزكية ترقى بها في معارج الكمال، أو تدسية (١) تنحط بها إلى أسفل سافلين. وبعد ارتباطها بالبدن .. يتكون منها المخلوق العظيم العجيب المسمى بالإنسان الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض ليعمرها، ويستثمرها ويعبرها إلى دار الكمال الحق، والحياة الدائمة الأبدية. هذه النفوس البشرية جاءت الشرائع السماوية كلها بإيجاب حفظها، فكان حفظها أصلًا قطعيا، وكلية عامة في الدين. وجاءت هذه الآيات في تقرير هذا الحفظ من وجوه ثلاثة سنتكلم عليها واحدًا واحدًا. ... حفظ النسل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾. العرب في زمان البعثة هم المخاطبون قبل الناس بالقرآن، وهم المؤمورون أول الناس- لعموم الرسالة- بالبلاغ، وعلى اهتدائهم كان يتوقف اهتداء غيرهم؛ فمن الحكمة توجه القصد إلى تطهيرهم من مفاسدهم. وقد كانوا في الجاهلية منهم من يقتل البنات خشية الفقر، وليوفر ما ينفق عليهم لينفقه على نفسه وبيته وبنيه، ويرى النفقة عليهن ضائعة؛ لأنه لا ينتظر منهن سعيًا للكسب ولا نصرة على العدو. وهذه هي الموءودة المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير:٨ و٩]. على أنه قد كان من ساداتهم من يحيى الموءودة فيشتريها من عند أبيها، وينجيها من القتل: كزيد بن نفيل القرشي أبي سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة ﵃، وصعصعة بن ناجية التميمي الصحابي جد الفرزدق الشاعر المشهور. وقد كان قتل البنات شائعًا فيهم مستفيضا في قبائل معدودة. ومنهم- كما في لسان العرب- من كان يئد البنين عند المجاعة. فجاء النهي عن القتل في الآية متعلقا بلفظ الولد شاملًا للبنات والبنين، ومعه السبب الذي كان يحملهم على القتل، وهو خشية الإملاق أي خوف الفقر والإقتار. (والمملق) هو الذي خرج ماله من يده فلم يبق بها شيء. ومن مادته الملقة وهي الصفاة الملساء. فنهوا عن هذا القتل الفظيع مع ذكر سببه، لتصوير حالتهم بوجه تام، وليتخلص من ذكر السبب إلى إبطاله ورده.

(١) في اللسان (مادة دسا-١٤/ ٢٥٦): «دَسىَ يَدْسىَ: نقيض زكا ... ودسى نفسه وتَدَسى ودساه: أغراه وأفسده. وفي التنزيل: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾».

1 / 89