21
{ يأيها الناس } لم يقع النداء فى القرآن بغير يا ، وهى الأصل ، فما حذف منه حرف النداء ، مثل : ربنا لا تؤاخذنا ، وآية المؤمنون قدر فيه ياء ، لذكرها فى غيره ولأصالتها ، ويأيها الناس مكى ، وقل مدنيا ، كما فى هذه السورة والنساء والحجرات ، فإنهن مدنيات ، والنداء هنا ، وفى قوله : يأيها الإنسان ، ونحوهما للتنبيه على ما يصلح ، ويأتى للمدح ، نحو ، يأيها الرسول ، و ، يأيها النبى ، و ، يأيها الذين آمنوا ، وللذم نحو ، قل يأيها الكافرون ، وليس منه ، يأيها الذين هادوا ، لأن المعنى الذين ادعوا أنهم تابوا إلى الله . إلا أن يدعى خروجه عن معناه الأصلى إلى معنى الذين بقوا على اليهوديه مع بعثة محمد A ، ويكون للعقاب ، كقوله تعالى : يأيها المدثر ، و : يأيها المزمل ، أو الآيتان للإنشاط والإراحة من صبق المفاكه لغيره ، ويكون لغير ذلك ، والخطاب فى مثل الآية للموجودين المكلفين والآيتين بعد إلى قيام الساعة ، ولو مجانين أو صبيانا يقيد الإفاقة والبلوغ ، وذلك تغليب وقيل للمكلفين الموجودين فى مهبط الوحى ، وأما غيرهم فبالنص أو القياس أو لإجماع ، لا بصيغة الشراء ونحوها ، وعلى الأول خوطبوا إذا بلغوا أو أفاقوا من زمان الوحى ، قال بعضهم : الأصح أن نحو يأيها الناس يشمل الرسول A ولو قرن بقل ، أو اكتب إليهم ، أو بلغهم ، أو نحو ذلك ، وقيل : لا يشمله ، لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره ، لأنه إن كان آمرا أو مبلغا فلا يكون مأمورا أو مبلغا إليه لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمرا ومأمورا ، ومبلغا ومبلغا إليه للضرورة ولأن الآمر أو المبلغ طالب ، والمأمور أو المبلغ إليه مطلوب ، وإن قيل : قد يكون آمرا ومأمورا ، مبلغا مبلغا إليه من جهتين ، قلت : الآمر أعلى رتبة من المأمور ، ولا بد من المغايرة ، إلا أنه لا يشترط أن يكون المبلغ أعلى رتبة من المبلغ إليه ، لكن الخطاب يصل المبلغ قبل ، وقيل : إن قرن بنحو قل لم يشمله A لظهوره فى التبليغ . وإلا شمله . والأصح أن نحو ، يأيها الناس يشمل العبد المكلف شرعا كما يشمله لغة ، وعليه الأكثر ، وقيل : لا يشمله لصرف ما معه إلى سيده فى غير أوقات ضيق العبادات وشمل الكافر أيضا ، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح ، وشمل الموجودين وقت النزول ، وقيل : يتناول من سيوجد أيضا ، وفيه أنه لا يظهر أن يقال للمعدوم يا فلان أو نحو ذلك { اعبدوا ربكم } وخذوه لا تجعلوه له شريكا ، أو اعملوا الصالحات واجتنبوا المحرمات له ، ومن ذلك ترك الأصنام والهوى { الذى خلقكم والذين من قبلكم } وتعليق الحكم بالمشتق أو بما معناه يؤذن بكونه علة ، أى اعبدوا الذى هو سيدكم ، أو مريبكم ، وخلقكم وخلق الذين من قبلكم ، أى اعبدوه لسيادته وملكه وخلقه لكم ، فما ليس سيدا لكم ولا مالكا ولا خالقا لا يستحق أن يعبد { لعلكم تتقون } قال سيبويه : عسى فى كلامه تعالى للتحقيق ، ولا يشكل عليه قوله تعالى « عسى ربه إن طلقكن » لأن تحقيق تبديل أزواج خير معلق بالتطليق ، والطليق غير واقع ، وأمل سئل عسى ، فمعنى الآية تحقق حصول الوقاية عن عقابه بالعبادة ، أو اعبدوه راجين حصول الوقاية ، فقد لا تكون العبادة وقاية لخلاها ، أو إبطالها برياء أو وردة أو نحوهما ، أو اعبدوه لتحصلوا الوقاية ، أو شبه طلب التقوى منهم بعد اجتماع أسبابها ودواعيها بالترجى فى أن متعلق كل منهما مخير بين أن يفعل وأن لا يفعل ، مع رجحان ما بجانب الفعل ، فينتقل ذلك إلى كلمة لعل فتكون استعارة تبعية ، أو تشبه ذواتهم بمن يرجى منه التقوى فيثبت له بعض لوازمه ، وهو الرجاء ، فتكون الاستعارة بالكناية .
مخ ۲۹