126
{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا } أى هذا البلد ، دعاء بعد أن كان عمارة ، أو هذا المكان ، وهو أرض مكة قبل أن يكون فيها ماء وعمارة ، وهذا الدعاء قبل ذلك « بلدا ءامنا » ذا أمن كلا بن ، بمعنى ذى لبن ، أو مجاز عقلى من الإسناد إلى المكان ، إذ الأمن من فيه ، أو آمنا أهله ، طلب فى المرة الأولى ، كون الوادى بلدا آمنا ، أى معمورا آمنا ، فاستجيب له فى كونه بلدا معمورا ، وتأخرت الاستجابة فى الأمن ، ثم كرر الطلب للأمن فاستجيب له ، إذ قال : رب اجعل هذا البلد آمنا ، فجعله الله بلدا آمنا ، لا ينفر صيده ، ولا يسفك فيه دم ، ولو قصاصا أو حدا ، إلا إن جنى فيه .
وعن الشافعى يقتص منه ويحد فيه ولو جنى خارجه إذا دخله ، ولا يختلى خلاه ، وتضاعف فيه السيئات ، الواحدة بمائة ، كالحسنات ، الواحدة بألف وبمائة ألف ، ولا يظلم فيه ، ولا يخسف ، ولا يمسخ فيه إلا ما قيل ، إنه مسخ رجل وامرأة زنيا فى الكعبة ، ولا يقحط ولا يخاف من عدو ، وليس طلب الأمن تكريرا لقوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ، لأن ذلك إخبار من الله ، وما هنا طلب من إبراهيم ، أخبرنا الله بما استجاب له فيه قبل ، فلا حاجة إلى أن يقال ، أراد هنا الأمن من القحط كما قال : « وارزق أهله من الثمرت » أى من أنواعها ، وقد استجيب له حتى إنه يجتمع فيها فى اليوم الواحد ثمرات الفصول من الطائف .
قال ابن عباس ، نقل الله بقعة من فلسطين بالشام ، وقيل من الأردن ، وجعلها فى الطائف ، وسميت بالطائف ، لأن جبريل طاف بها سبعا ، ووصفها فى ذلك الموضع ، توسعة لرزق الحرم ، إجابة لدعائه عليه السلام : « من ءامن منهم بالله واليوم الأخر » لا جيمع أهله ولو كفارا ، متابعة لقوله تعالى : { لا ينال عهدى الظالمين } فأخبره الله أن الرزق يعم الظالم ، لا كالإمامة بقوله « قال » قال الله D { ومن كفر } عطف من الله على قول إبراهيم ، من من ، كما فى قوله { ومن ذريتى } وكما يقول الرجل ، أكرم زيدا ، فتقول ، وابنه ، أو يقدر ، والرزق من كفر ، بفتح الهمزة وضم القاف ، وعطف على هذا المنذر بقوله : { فأمتعه قليلا } أو قل ، يا إبراهيم ، ومن كفر ، أو ارزق من آمن ومن كفر بالفتح والضم ، أو من كفر فأنا أمتعه ، أو فقد أمتعه ، فحذف أنا ، أو قد ، وإن جعلنا من موصولة مبتدأ فالفاء صلة فى خبرها بلا تقدير ، والمراد تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا ، أو كلما كثر أو طال من الدنيا فقليل قاصر « ثم أضطره » ألجئه بعد موته « إلى عذاب النار » لكفره ، فلا يجد امتناعا عنها ، وذلك بلا تحرك منه ، كقوله تعالى : يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ، وقوله : يسحبون ، وقوله { يؤخذ بالنواصى والأقدام } ويتحرك كقوله D { وسيق الذين كفروا } « وبئس المصير » النار أو عذابها ، أو الصيرورة ، فإنه يصار إلى المعانى كما يصار إلى الأجسام ، والمتسبب عن الفكر شيئان ، الأول تقليل التمتيع ، إذ قصر عن التمتيع الدنيوى ، ولم يوصل بالأخروى ، والثانى اضطراره إلى عذاب النار .
مخ ۱۴۶