قال بعض الصحابة : كنا نقرأ سورة تشبهها فى الطول والشدة ببراءة ، فأنسبتها ، غير أنى حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا تراب ، وكنا نقرأ سورة تشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أنى حفظت منها { يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } فتكتب شهادتها فى أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة .
ومما نسخ لفظه فقط آية الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما . . . الآية ، قال عمر : قرأناها ، ورجم رسول الله A ورجمنا ، إذا كانت البينة أو الحمل أو الاعتراف ، وكانت فى سورة الأحزاب ، وقيل فى النور ، وقوله تعالى : خروجكم عن آبائكم كفر ، يعنى انتسابكم إلى غيرهم .
ومما نسخ حكمه فقط آية عدة الوفاء بالسنة ، نسخت بآية العدة بأربعة أشهر وعشر ، وآية وجوب ثبوت واحدة لعشرة بآية ثبوت واحد لاثنين .
ويكون النسخ بالإبدال إلى أخف كالأربعة الأشهر ، والمصابرة لأقل من ثلاثة ، وإلى أثقل كوجوب الصوم بعد التخيير بينه وبين الإطعام ، وكترك القتال حتما إلى وجوبه فيما قيل ، ونسخ الإباحة إلى التحريم ، كتحريم الخمر بعد إباحتها ، وإلى مساو كنسخ الصلاة إلى القدس بالصلاة إلى الكعبة ، وبلا إبدال ، وحمل عليه قوله عز وعلا : « أو ننسها » فالمعنى نأت بغيرها فى غير شأنها ، وأما نسخ وجوب صوم عاشوراء إلى الندب بصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، أو برمضان أو صوم الثلاثة برمضان فموجود ، إلا أنه لا يوجد المنسوخ فى القرآن صراحا ، بل بتأويل . { ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير } زيادة تثبيت للنبى A ، وأمته تبع له ، أو الخطاب لكل من يصلح له ، يعلمون أن الله لا يعجزه شىء ، فقد نسخهم قردة وخنازير بعد أن كانوا فى صورة البشر ، وليس ذلك بداوة ، بل قضى الله الأزل ، أن بقاءهم فى صورة البشر إلى وقت مخصوص ، فكذلك قضى الله فيه ، أن الآية تبقى إلى كذا ، ثم إنه إن كان النسخ إلى أخف فالخيرية فى النفع ، أو إلى أثقل فالخيرية فى الثواب ، هذا فى الحكم ، وإن كان النسخ فى اللفظ إلى أخصر فالخيرية فى النفع ، أو إلى أطول نفى الثواب ، وإن كان فى اللفظ والحكم إلى أخف حكما وأخصر لفظا فالخيرية فى النفع ، أو إلى أثقل حكما وأطول لفظا فالخيرية فى الثواب ، أو إلى أخف حكما وأطول لفظا فالخيرية فى النفع والثواب ، أو إلى أثقل حكما وأخصر لفظا فالخيرية فى الثواب بالنسبة للحكم ، وفى النفع بالنسبة إلى اللفظ ، منه بعضهم النسخ إلى أثقل .
والنسخ دليل على أن القرآن حادث مخلوق ، ولا نثبت الكلام النفسى ، فضلا عن أن يقال : التعبير من عوارض ما يتعلق به الكلام النفسى ، وهى الأفعال ، فى الأمر والنهى ، والنسب الخبرية فى الخبر ، وفى إثبات الكلام النفسى إثبات كون الله ظرفا ومتحيزا ، وإن رجع ذلك إلى العلم لزم أن كل ما علمه قديم ، والقرآن هو هذه الألفاظ ، لا غيرها .
مخ ۱۲۵