{ والذين إذآ أنفقوا } مما رزقهم الله من الأطايب على الفقراء والمساكين { لم يسرفوا } في الإنفاق إلى أن وصل حد التبذير المذموم عقلا وشرعا { ولم يقتروا } في الإمساك والمنع إلى أن وصل حد التقتير المحرم، المكروه شرعا ومرءة، بل { وكان } إنفاقهم { بين ذلك قواما } [الفرقان: 67] وسطا عدلا بين طرفي الإفراط والتفريط المذمومين، الساقطين عن درجة الاعتبار عند الله وعند الناس، المسقطين للنفس عن الاعتدال الحقيقي المقبول عند الله وعند عموم عباده.
[25.68-71]
{ و } بالجملة: هم الموحدون { الذين لا يدعون مع الله } الواحد الأحد، المستقل بالألوهية والربوبية { إلها آخر } يستحق للعبودية مثله { و } من جملة خصائلهم الحميدة: إنهم { لا يقتلون } بحال من الأحوال { النفس التي حرم الله } الحكيم المتقن في أفعاله وأحكامه قتلها؛ إذ كل نفس من النفوس البشرية إنما وضعت وبنيت بيتا لله،، مهبطا معه ولوحيه وإلهامه، محلا لحلول سلطان وحدته الذاتية ومجلى لظهور أسمائه الحسنى وصفاته العليا العظمى الكاملة، فلا يصح هدم بيته وتخريب بنائه { إلا بالحق } أي: بالرخصة الشرعية الموضوعة بوضع الله سبحانه حدا وقصاصا.
{ و } من جملة أخلاقهم الحميدة: إنهم { لا يزنون } عدوانا وعدولا عن مقتضى الحد الشرعي و الوضع الإلهي في حفظ النسب عن اختلاط النطف؛ إذ هي من أخس المحرمات وأفحش المحظورات؛ لذلك عقبه سبحانه بالوعيد الهائل، فقال: { ومن يفعل ذلك } أي: الزنا التي هي الفعلة الشنيعة، والديدنة القبيحة المتناهية في القبح والشناعة المستكرهة عند الطباع السليمة، المسقطة للمروءة والعدالة { يلق } يوم الجزاء { أثاما } [الفرقان: 68] أي: جزاء مسمى بالأثام مبالغة وتأكيدا، كأن اسم الإثم موضوع له حقيقة وهي جامع لجميع ما يطلق عليه اسم الإثم ادعاء لذلك.
{ يضاعف له العذاب يوم القيامة } لا ضعفا مرة، بل أضعافا كثيرة، ومع ذلك التضعيف والتشديد { ويخلد } ويدوم { فيه } أي: في العذاب { مهانا } [الفرقان: 69] صاغرا ذليلا بالنسبة إلى جميع أهل النار؛ إذ الزنا من أقبح الجرائم عند الله وأفحشها؛ إذ لا جرم عنده سبحانه أعظم من هتك محارمه، أعاذنا الله من ذلك.
{ إلا من تاب } عما جرى عليه من سوء القضاء، ورجع إلى الله نادما عن فعله خائبا خاسرا، مستحييا من الله، خائفا عن بطشه، مكذبا لنفسه، معيرا عليها، متأوها متحسرا عما صدر عنه { و } مع ذلك { آمن } بتوحيد الله، وأكد توبته بتجديد الإيمان المقارن بالإخلاص الصائن للمؤمنين عن ارتكاب المحظورات المنافية للإيمان، وبالجملة: جدد إيمانه معتقدا أه حين صدر عنه لم يكن مؤمنا { و } مع التوبة وتجديد الإيمان { عمل عملا صالحا } منبئا عن إخلاصه في إيمانه وتوبته، مشعرا على يقينه ومعرفته.
{ فأولئك } السعداء التائبون الآيبون المقبولون، هم الذين { يبدل الله } الحكيم المصلح لأحوال عباده بعدما وقفهم على التوبة الخالصة والإنابة الصحيحة الوثيقة { سيئاتهم } التي أتوا بها قبل التوبة { حسنات } بعدها، بأن يمحو سبحانه بفضله معاصيهم المثبتة في صحائف أعمالهم قبل إنابتهم، ويثبت بدلها حسنات بعدما { وكان الله } المطلع لسرائر عباده وإخلاصهم { غفورا } لهم، متجاورزا عن ذنوبهم وإن عظمت بعدما جاءوا بالتوبة الخالصة { رحيما } [الفرقان: 70] يقبل توبتهم ويغفو زلتهم.
{ و } بالجملة: { من تاب } ورجع إلى الله نادما عما مضى عليه من المعاصي { وعمل } عملا { صالحا } تلافيا لما فات من الطاعات والحسنات، جابرا لما انكسر من قوائم إيمانه وأعماله بالمفاسد والآثام { فإنه يتوب } ويرجع { إلى الله } المتفضل المحسن الكريم الرحيم { متابا } [الفرقان: 71] أي: توبة مقبولة عند الله، مرضية دونه.
[25.72-77]
{ و } المؤمنون المقبولون المبرورون عند الله، هم { الذين لا يشهدون الزور } أي: الشهادة الباطلة المسقطة للعدالة والمروءة أصلا { و } أيضا { إذا مروا } فجأة بلا سبق ترقب منهم وتجسس { باللغو } مطلقا: أي: ما يجب أن يلغو ويطرح من المكروهات والمحظورات والمستقبحات، سواء كان قوليا أو فعليا { مروا } عليها { كراما } [الفرقان: 72] أي: مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه، مستغفرين من الله لمن ابتلاه الله به غاضين أبصارهم عن تدقيق النظر نحوه وتكرير المشاهدة إليه، والمبالغة في المطارحة والمطالعة فيه، وبالجملة: مرو باللغو على وجه التلطف والرفق والتليين، بحيث يستحيي من رفعته ولطفه المبتلون به؛ لعل الله يتوب عليهم بكرامة كرمه، إلى حيث لا يحومون حول ذلك اللغو بد ذلك أصلا.
ناپیژندل شوی مخ