وكيف لا يعلم ويطلع سبحانه بجميع ما ظهر وبطن، وهو { الذي خلق السموت والأرض } أبدعهما وأظهرما { وما بينهما } من كتم العدم بلا سبق الهيولي والزمان { في ستة أيام } أي: على عدد الجهات والأقطار المحفوفة بجميع الكوائن والفواسد { ثم } بعدما كمل ترتيبها على أبلغ نظام { استوى } وتمكن وانبسط { على العرش } أي: على عروش جميع المظاهر بالاستيلاء التام والبسطة العامة { الرحمن } الذي وسعت رحمته كل ما ظهر وبطن، غيبا وشهادة.
{ فسئل به } أي: بما ذكر من خبرة الله وإحاطة علمه وقدرته وإظهاره ما ظهر وبطن عينا وشهادة، وإحاطته واستيلائه على عروش الرحمن بالرحمة العامة { خبيرا } [الفرقان: 59] ذا خبرة يخبرك بصدقها من أرباب القلوب الواصلين إلى مرتبة الكشف وعموم الشهود ممن سبقت لهم العناية الأزلية، والجذبة الجالية الغالبة من قبل الحق، المفنية لهم عن أنانياتهم، المبقية لهم ببقاء الحق.
{ و } مع ظهور استيلاء الحق وانبساطه على عروش ذرائر الأكوان { إذا قيل لهم } على سبيل الإيقاظ عن نعاس النسيان، والتنبيه عن نومة الحرمان: { اسجدوا للرحمن } المظهر لكم من كتم العدم بسعة رحمته وجوده { قالوا } منكرين له مع كمال ظهوره مستفهمين على سبيل الاستغراب والاستعباد: { وما الرحمن } الذي تدعوننا إلى سجوده؟ أتوا بالسؤال بلفظة (ما) من كمال نكارته عندهم وشدة إنكارهم عليه، قائلين: { أنسجد لما تأمرنا } أي: لكل شيء تأمرنا بسجوده أنت من تلقاء نفسك { وزادهم نفورا } [الفرقان: 60] أي: ما زاد دعوتك إياهم وإرشادك لهم إلا نفورا عن الحق و طريق توحيده؛ لخبث طينتهم وشدة شكيمتهم، وكمال غيهم وقسوتهم.
وكيف تنفرون وتنصرفون هؤلاء الجاهلون الغافلون عن سجوده سبحانه، مع أنه { تبارك } وتعالى عن شأنه، عن أن ينصرف عنه وينفر منه أحد من عباده، مع كثرة خيراته وبركاته عليهم؛ لأنه { الذي جعل في السمآء } أي: العلويات { بروجا } لتكون منازل للكواكب المدبرة للأمور الأرضية { و } بعدما هيأها سبحانه على أبلغ النظام { جعل فيها سراجا } أي: شمسا دائرة من برج إلى برج { وقمرا منيرا } [الفرقان: 61] منقلبا من منزل إلى منزل من المنازل المذكورة؛ ليحصل من دورها وانقلابها الفصول الأربعة المصلحة لأحوال ما في السفليات من المواليد الثلاثة.
{ و } كيف تغفلون عن الصانع الحكيم إيها الضالون { هو الذي جعل اليل والنهار خلفة } متعاقبة متجددة، فخلف أحدهما الآخر؛ ليكون مرصدا وميقاتا { لمن أراد أن يذكر } ويتذكر آلاء الله المتوالية المتتالية عليه، الفائضة من عنده على تعاقب الأوقات والساعات { أو أراد شكورا } [الفرقان: 62] أي: أراد يشكر على نعمائه الواصلة إليه في خلالهما.
[25.63-67]
{ و } المتذكرون لآلاء الله، المواظبون لأداء حقوقها حسب طاقتهم، هم { عباد الرحمن } الواصلون إلى مرتبة الرضوان، الفائزون بلقاء الرحمن، وهم { الذين يمشون على } وجه { الأرض } التي هي محل أنواع الفسادات { هونا } هينين لينين بلا منازعة وجدال مع أحد من بني نوعهم، وسوء خصالهم معهم من كبر وخيلاء { و } هم من كمال سكينتهم ووقارهم، وتلطفهم مع عباد الله { إذا خاطبهم الجاهلون } بعلو شأنهم ورفعة مكانهم بما يكرهون من الشتم والوقاحة والاستهزاء.
{ قالوا } من سلامة نفوسهم وطيب قلوبهم: { سلاما } [الفرقان: 63] أي: تلسيما عليهم بلا تغير وتأثر من قولهم، وتركا لانتقامهم ومخاصمتهم، توطينا لنفوسهم على التسليم والرضا بجريان القضاء والحلم وكظم الغيظ، هذا حالهم وشغلهم بين الناس في النهار.
{ و } شغلهم في الليل، هم { الذين يبيتون } ويدخلون في الليل بائتين، صاروا في خلاله { لربهم سجدا } ساجدين، واضعين جباههم على تراب المذلة؛ طلبا لمرضاة الله بلا شوب السمعة والرياء، والعجب والهوى؛ لكونهم خالين في خلاله مع الله بلا وقوف أحد عليهم { وقياما } [الفرقان: 64] قائمين بين يدي الله تواضعا وخدمة { والذين يقولون } في مناجاتهم مع الله في خلواتهم: { ربنا } يا من ربانا بأنواع الكرامات { اصرف عنا } بفظلك وجودك { عذاب جهنم } المعد لعصاة عبادك { إن عذابها كان غراما } [الفرقان: 65] حتما لازما لنا، لولا فضلك بنا وإحسانك علينا، فإ،هم مع كمال توجههم وتحننهم نحو الحق على وجه الإخلاص ورسوخهم في الأعمال الصالحة الخالصة بلا فوت شيء من لوازمها خائفون، وجلون عن بطشه سبحانه وانتقامه؛ لأنهم لا يتكئون ولا يتكلمون إلى أعمالهم وطاعاتهم، ولا يثقون بها.
بل ما يعتمدون ويتكلمون إلا بفضل الله وسعة رحمته وجوده قائلين، مستعيذين من النار: { إنها } أي: جهنم البعد والحرمان { سآءت مستقرا } يستقر أحد فيها ساعة وآنا { و } كيف أن تجعل لنا يا مولانا { مقاما } [الفرقان: 66] نقيم فيها زمانا.
ناپیژندل شوی مخ