{ ثم } لما تم توجهكم ووقوفكم بعرفة الذات وتحققكم بها { أفيضوا } منها { من حيث أفاض الناس } إلى المرابت المترتبة إلى الصفات { واستغفروا الله } المحيط بكم فيها { إن الله غفور } ساتر لرتبكم وتعيناتكم { رحيم } [البقرة: 199] لكم بإيصالكم إلى مبدئكم الأصلي.
{ فإذا قضيتم مناسككم } المأمور لكم من الاجتناب عن مقتضيات الحياة الطبيعية والاتصاف بمقتضيات المعين الحقيقية { فاذكروا الله } الهادي لكم إلى هذه المرتبة { كذكركم آبآءكم } بلا تردد وتشكيك { أو أشد ذكرا } بل ذكر الله أشد في الوضوع من ذكر الآباء؛ إذ يجري فيه التشكيك بخلاف ذكر الله المتفرع على الشهود، المستتبع للفناء فيه، فإنه خال عن وصمة الريب { فمن الناس من } يحصر التوجه والرجوع إلى الله والمناجاة معه للنشأة الأولى، و { يقول ربنآ آتنا في الدنيا } ما نحن محتاجون إليها من أمور المعاش { و } هو إن وصل إلى مبتغاه في الدنيا { ما له في الآخرة من خلاق } [البقرة: 200] نصيب؛ لصرفه استعداده إلى ما لا يغنيه بل يضره.
{ ومنهم من يقول } جامعا بين الظاهر والباطن والأولى والأخرى: { ربنآ آتنا في الدنيا حسنة } ترضى بها عنا فيها { وفي الآخرة حسنة } توصلنا إلى توحيدك { وقنا } بلطفك { عذاب النار } [البقرة: 201] أي: الإمكان المحوج إلى الذات الوهمية.
{ أولئك } الموفون الموحدون الجامعون بين مرتبتي الظاهر والباطن { لهم نصيب } حظ كامل { مما كسبوا } في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة من المعارف اللدنية والكشوف الإلهية { والله } المحيط وبضمائرهم { سريع الحساب } [البقرة: 202] يحاسبهم ويجازيهم على ما كسبوا.
[2.203-206]
{ واذكروا الله } بعد تتميمكم مناسككم ووقوفكم بعرفة { في أيام معدودات } هي أيام التشريق { فمن تعجل } أي: استعجل للرجوع والنفر { في يومين } أي: في ثاني أيام التشريق { فلا إثم عليه } باستعاجله { ومن تأخر } أيضا { فلا إثم عليه } بتأخيره؛ يعني: أنتم مخيرون في استعجال النفرة وتأخيرها بعدما وصلتم، والفوز العافية { لمن اتقى } إلى الله عن محارمه { واتقوا الله } في جميع ما صدر عنكمن واستحفظوا منه { واعلموآ أنكم } بأجمعكم { إليه } لا إلى غيره { تحشرون } [البقرة: 203] ترجعون رجوع الظل إلى ذي الظل.
{ و } من جملة الآدب الموضوعة فيكم بوضع الله المدبر لأموركم المهذب لأخلاقكم: الاجتناب عن الجلساء السوء، لذلك خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم امتنانا عليه وإرشادا لكم، فقال: { من الناس } المجبولين على البغض والنفاق، المستمرين عليه دائما بلا تصفية ووفاق { من يعجبك } يوقعك في العجب المحير العارض لنفسك بلا علمك بموجبه وسببه { قوله في الحيوة الدنيا } أي: مقوله المتعلق بأمور الدنيا وأسباب المعاش، بأن من تسلم أمور الدنيا وترتيبها يتوصل إلى الآخرة ولذاتها، كما هو المشهور بين أهل الدنيا، ويسمونه عقل المعاش { و } مع إغرائه وتغيره { يشهد الله على ما في قلبه } من حب الدنيا، ويدعي موافقة كلام الله وحكمه المودعة فيه على ما يدعيه، لا تغفل عنه ولا تسمع قوله { } [البقرة: 204] وأشد العداوة والجدال معك ومع من تبعك من المؤمنين.
قيل: نزلت فوهو ألد الخصامي الأخنس بن شريك الثقفي، وكان من بلغائهم وفصائحهم، له الوجاهةو الحسن والطلاقة، يتردد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويصاحب معه ويظهر المحبة والإخلاص، ويدعي الإيمان والانقياد.
{ وإذا تولى } أدبر من عنده { سعى في الأرض } الموضوعة للإصلاح والتعمير { ليفسد فيها } بأنواع الفسادات { و } من جملة ذلك أنه { يهلك الحرث والنسل } بالظلم والفسوق والعصيان المتجاوز للحد مثل: الزنا وقطع الطريق والخروج على الولاة القائمين بحدود الله المقيمن بأحكامه، كالمتمشيخة المبتدعة التي ظهرت في هذه الأمة بإفساد عقائد ضعفاء المسلمين بالشيخوصة، وترغيبهم إلى البدع والأهواء الباطلة المؤدية إلى تحليل المحرمات الشرعية، ورفع التكليفات الدينية والمعتدات اليقينة، شتت الله شملهم وفرق جمعهم { والله } الهادي للعباد { لا يحب الفساد } [البقرة: 205].
{ و } من غاية عتوه وعناده ونهاية استكباره { إذا قيل له } إمحاضا للنصح: { اتق الله } عن أمثال هذه الفضائح واستح منه { أخذته } هيجته وحركته { العزة } المرتكزة في نفسه { بالإثم } الذي منع منه لجاجا وعنادا { فحسبه } وحسب أمثاله { جهنم } الإمكان الذي يعلبون بنيرانها، كفت مؤنة شرورهم وطغيانهم { و } الله { لبئس المهاد } [البقرة: 206] مهدا لإمكان المستلزم لمهد النيران.
ناپیژندل شوی مخ