ائت بقرآن غير هذآ أو بدله
[يونس: 15] إذ لا يسع لأحد أن يبدله ويحرفه { و } إن همت إلى تبديله وتحريفه من تلقاء نفسك { لن تجد من دونه } سبحانه { ملتحدا } [الكهف: 27] ملجا تلتجئ إليه نزول عذاب الله، وحلول أخذه وانتقامه على تبديلك وتغييرك كلامه.
ثم لما طلب صناديد قريش من روسل الله صلى الله عليه وسلم إبعاد فقراء المؤمنين وطردهم عن مجلسه، مثل أبن آم مكتوم وأبي ذر وفقراء أصحابه؛ لرثاثة حالهم وشمول الفاقة عليهم حتى يصاحبوه صلى الله عليه وسلم ويجالسوا معهم، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنجاج ما أرادوا واقترحوا، وأمر بالفقراء ألا يحضروا معهم في مجلسه، رد الله سبحانه على رسوله ردا بليغا، ونهاه عنه نهيا شديدا.
[18.28-34]
فقال سبحانه مؤدبا له مقرعا: { واصبر نفسك } أي: إن التمس قرشي من إبعاد الفقراء، وبالغوا في طردهم وذبهم عن صحيتك، لا تجبهم ولا تنجح مطلوبهم، بل اصبر ووطن نفسك المائلة إلى غنائهم وصفاء زيهم ولباسهم { مع } الفقراء { الذين } شأنهم أنهم { يدعون } ويعيدون { ربهم بالغداة والعشي } أي: طرفي النهار وما بينهما { يريدون وجهه } ويتوجهون نحوه مخلصين بلا ميل منهم إلى الهوى ومزخرفات الدنيا مع غاية فقرهم وفاقتهم { ولا تعد } أي: لا تمل ولا تصرف { عيناك عنهم } لرثاثة حالهم وخلق ثيابهم إلى الأغنياء وزيهم البهي حال كونك { تريد } وتقصد { زينة الحياة الدنيا } بالالتفات إليهم، والميل إلى مصاحبتهم ومجالستهم، والركون إلى جاههم وثروتهم { ولا تطع } ولا تنفق معهم في طرد الفقراء بمجرد ميلك إيمانك أولئك الأغنياء البعداء عن روح الله ورحمته، ولا تلتفت التفات متحنن متشوق إلى { من أغفلنا قلبه } وختمنا عليه بالإعراض { عن ذكرنا } ختما لا يرتفع عنه أصلا { و } لذا صار من العتو والعناد إلى أن { اتبع هواه } واتخذه إلها، واجتنب عن مولاه وبنذه وراءة { وكان أمره } في الاتباع والاتخاذ { فرطا } [الكهف: 28] ميلا وتقدما نحو الباطل، وإعراضا عن الحق ونبذا له وراءه ظهريا.
{ وقل } على سبيل المثال الإرشاد والتبليغ بلا مراعاة ومداهنة { الحق } الصريح الصحيح الثابت ما نزل ونشأ { من ربكم } الذي أنشأكم وأظهركم من كتم العدم وأصلح حالكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وبلغ ما أوحي إليك بلا تبديل وتغيير؛ إذ ما عليك إلا البلاغ والتبليغ { فمن شآء } منهم الفوز والفلاح { فليؤمن } بالله وكتب ورسله على مقتضى ما بلغت { ومن شآء } منهم الوبال والنكال في الداري { فليكفر } فاعلم أنه سبحانه لا يبالي بكفرهم وإيانهم؛ إذ هو منزه عن إيمان عباده وكفرهم.
ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والتنبيه: { إنا } من مقام علدنا وقهرنا من أعرض عنا من عبادنا وانصرف عن مقتضى أوامرنا ونواهينا { أعتدنا } وهيأنا سبيما { للظالمين } الخارجين عن مقتضيات أحكامنا { نارا } ذاتت التهاب واشتعال إلى حيث { أحاط } أي: احتوى واشتمل { بهم سرادقها } أي: لهبها التي هي كالفسطاط في الإحاطة والشمول، والفسطاط: المتخذ من الشعر { وإن يستغيثوا } من شدة العطش ونهاية حرقة الكبد والزفرة { يغاثوا } ويجابوا { بمآء } في اللون { كالمهل } وهو الحديد المذاب، وفي الحرارة إلى حيث { يشوي الوجوه } ويحرقها وقت تقريبه إلى الفم للشرب.
وبالجملة: { بئس الشراب } شراب المهل { وسآءت } جهنم وأوديتها المملوءة بنيران الحرمان والخذلان { مرتفقا } [الكهف: 29] منزلا ومسكنا، تسكنون فيها أبدا مخلدا.
ثم اتبع سبحانه الوعيد بالوعد على مقتضى سنته المستمرة، فقال: { إن الذين آمنوا } بوحدة ذاتنا وكمال أوصافنا وأسمائنا، وبإرسالنا الرسل، وإنزالنا الكتب المبينة الموضحة لأحكامنا الصادر منا على مقتضى الأزمان والأدوار { و } مع الإيمان والإذعان { عملوا الصالحات } المأمورة لهم في الكتب وألسنة الرسل، واجتنبوا عما نهيناهم عنها، فجزاؤهم علينا نجازيهم ونضاعف لهم بأضعاف ما يستحقون بأعمالهم وإخلاصهم فيها { إنا } من مقام فضلنا وجودنا { لا نضيع } ونهمل { أجر من أحسن عملا } [الكهف: 30] وأخلص نية، وأتم قصدا وأكلم عزيمة.
{ أولئك } السعداء المحسنون المخلصون { لهم } في النشأة الأخرى { جنات عدن } أي: متنزهات إقامة وخلود من مراتب العلم والعين والحق، ومع ذلك { تجري من تحتهم الأنهار } أي: أنهار المعارف والحقائق، متجددة بتجددات التجليات الإلهية والنفسات الرحمانية المترشحة من رشاشات بحر الذات الأزلية الأبدية، ومع ذلك { يحلون } ويزينون { فيها من أساور } وخلاخل متخذة { من ذهب } جزاء ما هذبوا أخلاقهم وجوارحه بمقتضى الأوامر الإلهية في النشأة الأولى { ويلبسون } فيها { ثيابا خضرا } مصنوعة { من سندس } وهو ما رق من الديباج { وإستبرق } هو ما غلظ منه جزاء ما يتصفون في النشأة الأولى بزي التقوى ولباس الصلاح.
ناپیژندل شوی مخ