301

{ وسخر لكم } أيضا { الشمس والقمر دآئبين } مختلفين في سيرهما شتاء وصيفا خريفا وربيعا؛ لإنضاج ما تحرثونه وتزرعونه { وسخر لكم اليل والنهار } [إبراهيم: 33] لسباتكم ومعاشكم.

{ و } بالجملة: { آتاكم من كل ما سألتموه } بلسان استعداداتكم وقابلياتكم من متممات نفوسكم ومكملاات إدراككم { و } بلغ إنعامه سبحانه إياكم في الكثرة إلى حيث { إن تعدوا } وتحصوا { نعمت الله } الفائضة عليكم لتربيتكم { لا تحصوها } أي: لا يسع لكم إحصاؤها من مال كثرتها ووفورها، فلكم أن تواظبوا على شكرها وأداء حق شيء منها، وإن كانت القوة لا تفي بأدائها، لكن قليلا منكم يشكرون نعمه { إن الإنسان } المجبول على الغفلة والنسيان في أصل فطرته باعتبار قوى بشريته وبهيميته { لظلوم } أي: مظلوم محزون عند الشدة وهجوم البلاء { كفار } [إبراهيم: 34] مبالغ في الكفران والنسيان وقت الفرح والسرور.

[14.35-39]

{ و } اذكر يا أكمل الرسل وقت { إذ قال } جدك { إبراهيم } حين ناجى مع الله بعدما عمر مكة: { رب اجعل هذا البلد } التي تأمرني بتعميرها؛ يعني: مكة { ءامنا } ذا أمن وأمان من تخريب العدو وتغييرها { واجنبني } أي: بعدتي { وبني أن نعبد الأصنام } [إبراهيم: 35] بتسويلات الأهوية الفاسدة والشياطين المضلة.

{ رب إنهن } أي: الأوثان والأصنام بإظهارك بعض الخوارق عليها { أضللن } وصرفن { كثيرا من الناس } عن جادة توحيدك { فمن تبعني } بعدما دعوتهم إلى توحيدك { فإنه مني } وعلى ملتي وديني { ومن عصاني } ولم يقبل قولي وأصر على ما هو عليه { فإنك } بمقتضى جودك وفضلك { غفور } قادر على العفو والمغفرة عن جميع المعاصي { رحيم } [إبراهيم: 36] ترحمهم بمقتضى سعة رحمتك وحلمك.

{ ربنآ إني أسكنت من ذريتي } إذ هي حجرية لا زرع فيها ولا حرث { عند بيتك المحرم } سمي به؛ إذ حرمت فيه المقاتلة والصيد والتعرض والتهاون مطلقا حفظا فيه ؛ لذلك لا يزال معظما مكرما يهابه الجبابرة، وإنما أسكنتهم عنده؛ ليكنسوا بيتك من الأقذار، ويصفوه من الأكدار { ربنا } إنما أسكنت ذريتي عند بيتك { ليقيموا } ويديموا { الصلاة } المقربة نحو جنابك وفناء بابك { فاجعل } بمقتضى فضلك وجودك { أفئدة } أي: وفدا كثيرا وقفلا { من الناس تهوى } أي: تميل وتتوجه { إليهم } أي: بعضا منها وهو إسماعيل وبنوه { بواد غير ذي زرع } من الجوانب { وارزقهم من } أنواع { الثمرات } المهداة إليهم من البلاد البعيدة، ياي بها الزوار والتجار { لعلهم يشكرون } [إبراهيم: 37] نعمتك ويواظبون على طاعتك وخدمة بيتك عن فراغ القلب.

{ ربنآ } يا من ربانا بأنواع اللطف والكرم { إنك تعلم ما نخفي } من حوائجنا { وما نعلن } أي: ما لنا علم به؛ إذ أنت أعلم بحوائجنا منا؛ إذ علمك بنا وبجميع مظاهرك حضوري ذاتي، ولا علم لنا بذاتنا كذلك، بل نحن عاجزون عن إدراك أنفسنا كعجزنا عن إدراك ذاتك يا مولانا، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:

" من عرف نفسه فقد عرف به "

{ و } كيف يخفى عليك حوائجنا؛ إذ { ما يخفى } ويستر { على الله } المحيط بكل الأشياء { من شيء } لذلك ظاهر { في الأرض ولا في السمآء } [إبراهيم: 38] وكيف خفي عليه شيء؛ إذ هو عالم بها، مظهر لها لا يعرزب عنه شيء منها.

{ الحمد } والمنة { لله الذي وهب لي } من يخلفني ويحيي اسمي حين آيست؛ إذ بلغ سني { على } كمال { الكبر } والهرم { إسماعيل وإسحاق } روي أنه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة، وإسحاق لمائة واثتني عشر سنة { إن ربي } الذي رباني بأنواع الكرم وشرفني بخلعة الخلة والحلم { لسميع الدعآء } [إبراهيم: 39] الذي صدر عن لسان استعدادي ومجيبه بطلب من يخلفني ويقوم مقامي.

ناپیژندل شوی مخ