300

{ ألم تر } أيها الرائي المعتبر الخبير البصير { كيف ضرب الله } الهادي لعباده إلى توحيده { مثلا } لينتبهوا منه بأن شبه { كلمة طيبة } هي كلمة التوحيد القائلة المفصحة بألا وجود لسوى الحق { كشجرة طيبة } هي النخلة التي { أصلها } وعروقها { ثابت } في الأرض بحيث لا يقلعها ولا يشوشها الرياح أصلا { وفرعها } أي: أفنانها وأغصانها مرتفعة { في } جانب { السمآء } [إبراهيم: 24].

{ تؤتي أكلها } أي: ثمارها { كل حين } من الأحيان المعينة للإثمار { بإذن ربها } أي: بإرادته ومشيئته؛ يعني: كما أن النخلة تنمو وتثمر بسبب أصلها الثابت في الأرض وفرعها المرتفع نحو السمااء، ويحصل منها الثمر وقت حصولها، كذلك الكلمة الطيبة التوحيدية المستقرة، أصلها في أراضي الاستعدادات الطفرية المرتفعة أغصانها وأفنانها نحو سماء العالم الروحاني، المثمرة لثمرات المكاشفات والمشاهدات، القالعة القامعة لأشواك الكثرات، الناشئة من الإضافات العدمية { و } لا حاجة لأولي البصائر والألباب، المنكشفين بصرافة الوحدة الذاتية إلى أمثال هذه التنبيهات، بل { يضرب الله } المطلع لسرائر استعدادات عباده { الأمثال } المذكورة { للناس } الناسين عهودهم ومواثيقم مع الله بحجب تعيناتهم المستتبعة للإضافات والكثرات { لعلهم يتذكرون } [إبراهيم: 25] رجاء أن يتذكروا ما نسوا من أمثال هذه الأمثال.

{ و } أيضا { مثل كلمة خبيثة } هي كلمة الكفر المستتبعة لأنواع الفسوق والعصيان، المخالفة لجادة التوحيد { كشجرة خبيثة } هي الحنظلة التي { اجتثت } أي: أخذت تنمو جثتها { من فوق الأرض } بلا استحكام عرقها في الأرض وتعمقها؛ لذلك { ما لها من قرار } [إبراهيم: 26] إذ أدنى الرياض يقلبها كيف يشاء؛ يعني: كما أن الشجرة الخبيثة الغير المستقرة بقلبها الرياح كيف يشاء كذلك اعتقادات الكفرة والفسقة المقلدة يقلبها أدنى رياح الشكوك والشبهات، وتوقعهم في مهاوي الأوهام والخيالات.

وبالجملة: { يثبت الله } المصلح لأحوال عباده { الذين آمنوا بالقول الثابت } أي: بالإقرار المطابق للاعتقاد { في الحياة الدنيا } أي: حيث بذلوا أرواحهم لإعلاء كلمة الحق و ينصرفون عنها { وفي الآخرة } أيضا بحيث لا يتلعثمون ولا يضطربون يوم العرض الأكبر، بل في البرزخ أيضا عند سؤال المنكر والنكير { و } كما يثبت المؤمنين بالإيمان كذلك { يضل الله } المذل المضل { الظالمين } الذين خرجوا عن ربقة العبودية عنادا واستكبارا؛ أي: يثبتهم على الضلال إيى حيث لا يفوزون بالفلاح أصلا، بل صاروا خالدين في النار أبد الآباد { و } بالجملة: { يفعل الله } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { ما يشآء } [إبراهيم: 27] من الإهداء والإضلال، والإعزاز والإذلال.

[14.28-34]

{ ألم تر } أيها الرائي إلى الظالمين المسرفين { إلى الذين بدلوا نعمت الله } الفائضة عليهم من محض فعله و عطائه؛ ليشكروا له ويواظبوا على أداء حقه { كفرا } أي: يصرفونها كفرانا لها إلى البغي والطغيان على الله وعلى خلص عباده، مع أن المناسب صرفها إلى إعلاء كلمة الله ونصر دينه ونبيه { و } لذلك { أحلوا } وأدخلوا نفوسهم { قومهم } التابعين لهم المعاندين لكفرهم { دار البوار } [إبراهيم: 28] أي: الهلاك والخسار.

يعني: { جهنم } التي { يصلونها } أي: يدخلون فيها أذلاء مهانين مقهورين، لا نجاة لهم منها أصلا { وبئس القرار } [إبراهيم: 29] والمقر مقرهم الذي هو جهنم الطرد والخذلان.

ومن خبث بواطنهم { و } شدة شكيمتهم { جعلوا لله } المتوحد في ذاته { أندادا } شركاء من أضلاله ومصنوعاته { ليضلوا } ضعفاء الأنام { عن سبيله } الذي هو دين الإسلام الموصل إلى توحيد الله { قل } لهم يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع: { تمتعوا } أيها المسرفون بما أنتم عليه من الكفر والعناد { فإن مصيركم } ومآل أمركم { إلى النار } [إبراهيم: 30] المعدة لتخذيلكم وجزائكم.

{ قل } يا أكمل الرسل { لعبادي الذين آمنوا } بجميع ما جئت به إليهم من أمور الدين سيما الصلاة المصفية لبواطنهم والزكاة المزكية لظواهرهم كذلك: { يقيموا الصلاة } أي: يديموها في الأوقات المفروضة فيها { وينفقوا مما رزقناهم } على المستحقين { سرا } بلا سبق سؤال { وعلانية } بعد السؤال، استعدوا أيها الطالبون للنجاة لأخراكم في أولاكم، وأعدوا زاد عقباكم { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه } ليتدارك المقصر بالإنفاق والصدقة بعض تقصيراته { ولا } يقبل فيه { خلال } [إبراهيم: 31] أي: شفاعة من خليل حميم يشفع للجرائم والتقصيرات.

وكيف لا تستعدون بعدما أمركم الله بإعداده ووفق أسبابه عليكم؛ إذ { الله } الموفق لعباده أسباب معادهم هو المدبر المصلح { الذي خلق السموت } أي: العلويات المعدة للإحاطة { والأرض } أي: السفليات القابلة للفيض { وأنزل } أي: أفاض { من } جانب { السمآء مآء فأخرج به من } أنواع { الثمرات } لتكون { رزقا لكم } مقوما لمزاجكم، مبقيا لحياتكم؛ لتواظبوا على طاعة الله وإعداد زاد يوم المعاد { و } مع ذلك { سخر لكم الفلك } أي: السفن الجارية { لتجري في البحر بأمره } أي: بمشيئته وإرادته؛ لتسيروا معها إلى حيث شئتم وتتجروا بها وتربحوا { وسخر لكم } أيضا { الأنهار } [إبراهيم: 32] الجارية على بسيط الأرض؛ ليسهل لكم إخراج الجداول منها للحراثة والزراعة.

ناپیژندل شوی مخ