[6.1-5]
{ الحمد } والثناء المشعر بالإطاعة والانقياد المنبأ عن التعظيم والتبجيل الذاتي الصادر عن ألسنة جميع من يدخل في حيطة الوجود، المعترف بتوحيده سبحانه وتفريده استقلالا ثابتا { لله } المستقل بالألوهية، المتوحد في الربوبية، المستحق في العبودية، وكيف لا يستحق سبحانه مع أنه القادر { الذي خلق } وقدر { السموت والأرض } أي: أظهر علويات الأسماء والصفات وسفليات الطبيعة العدمية القابلة لانعكاس أشعة العلويات { وجعل الظلمت } أي: أنشأ حجب التعينات { والنور } أيك ظل الوجود المنبسط عليها { ثم } بعدما ظهر إشراق نور الوجود، ولمع أضاء شمس الذات { الذين كفروا بربهم } أي: ستروا بهويتهم الباطلة هويته الحقيقة السارة في الآفاق أزلا وأبدا { يعدلون } [الأنعام: 1] يميلون وينحرفون عن طريق الحق جهلا وعنادا.
وكيف تعدلون عن طريق الحق وتسترون هويته مع هوياتكم الباطلة أيها التائهون في تيه الضلال؟! إنه: { هو الذي خلقكم } أي: قدر وجودكم { من طين } جماد قريب من العدم { ثم قضى } وقدر { أجلا } لحياتكم في النشاة الأولى { وأجل مسمى } مقدر { عنده } لفنائكم فيه في النشأة الأخرى { ثم أنتم } بعدما علمتم وتحققتم منشأكم ونشأتكم الأولى { تمترون } [الأنعام: 2] تشكون في النشأة الأخرى.
{ و } كيف تمتمرون وتشكون فيها مع أنه { هو الله } القادر المتوحد المتفرد المتجلي { في السموت وفي الأرض } بالاستقلال والانفراد { يعلم } بعلمه الحضوري { سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } [الأنعام: 3] من خير وشر ونفعوضر في نشأتكم الأولى.
{ و } من أمارات كفرهم وسترهم أنهم { ما تأتيهم من آية } عظيمة دالة على توحيد الحق بلسان رسول من الرسل العظام { من آيت ربهم } المتوحد بالربوبية { إلا كانوا } من غاية كفرهم وجهلهم { عنها معرضين } [الأنعام:4].
ومن غاية إعراضهم وإلحادهم عن طريق الرشاد { فقد كذبوا بالحق } المطابق المواقع الذي هو القرآن الجامع { لما جآءهم } بلسان من هو أعلى مرتبة ومكانة عند الله، وأكمل دينا وأقوم طريقا فكذبوه واستهزءوا به { فسوف يأتيهم } وسيظهر لهم في النشأة الأولى والأخرى { أنباء ما كانوا به يستهزءون } [الأنعام: 5] حين نزول العذاب عليهم في الدنيا بضرب الذلة والمسكنة والجزية والصغار، وفي الآخرة العذاب والنكال المخلد.
[6.6-8]
{ أ } يشكون في نزول العذاب ويترددون و { لم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } من أهل القرون الماضية كعاد وثمود وغيرهما مع أنا { مكنهم في الأرض } أي: قدرناهم فيها قادرين على أمور عظام وآثام جسام { ما لم نمكن لكم } ولم نجعل في وسعكم من السعة وطول الملك والترفه والاستيلاء { و } مع ذلك { أرسلنا السمآء } المطر { عليهم مدرارا } مغزارا كثيرة { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم } دائما متجددا، وبالجملة: أمهلناهم زمانا طويلا متنعمين مترفهين { فأهلكنهم } بالمرة { بذنوبهم } التي صدرت عنهم من تكذيب الأنبياء وما جاءوا به، وإفسادهم في الأرض بأنواع الفسادات { وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } [الأنعام: 6].
ولا تبال يا أكرم الرسل بتكذيبهم واقتراحاتهم، ولا ترج منهم الإيمنا بلك وبكتابك؛ لأنهم من غاية انهماكهم في الضلال.
{ ولو نزلنا } من مقام جودنا { عليك كتبا } مكتوبا { في قرطاس } ورق { فلمسوه بأيديهم } حين نزوله { لقال الذين كفروا } من خبث باطنهم وجهلهم الجبلي { إن هذآ } أي: ما هذا { إلا سحر مبين } [الأنعام: 7] عظيم ظاهر؛ لأن الورق لا تنزل من جانب السماء إلا بسحر.
ناپیژندل شوی مخ