خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعَسَلِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْبُرِّ خَمْرًا وَإِنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا" (١) فَثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ، وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، فَجَلَدَهُ عُمْرُ الْحَدَّ تَامًّا (٢)، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ فِي الطِّلَاءِ فَهُوَ فِيمَا طُبِخَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذِقِ (٣) فَقَالَ سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقَ فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمَيْسِرِ﴾ يَعْنِي الْقِمَارَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُخَاطِرُ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَأَيُّهُمَا قَمَرَ صَاحِبَهُ ذَهَبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَالْمَيْسِرُ: مَفْعِلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ يَسَرَ لِي الشَّيْءُ إِذَا وَجَبَ يَيْسِرُ يَسْرًا وَمَيْسِرًا، ثُمَّ قِيلَ لِلْقِمَارِ مَيْسِرٌ وَلِلْمُقَامِرِ يَاسِرٌ وَيَسِرٌ، وَكَانَ أَصْلُ الْمَيْسِرِ فِي الْجَزُورِ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الثَّرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَشْتَرُونَ جزورا فينحرونها ويجزؤونها عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يُسْهِمُونَ عَلَيْهَا بِعَشَرَةِ قِدَاحٍ يُقَالُ لَهَا الْأَزْلَامُ وَالْأَقْلَامُ، لِسَبْعَةٍ مِنْهَا أَنْصِبَاءُ وَهِيَ: الْفَذُّ وَلَهُ نَصِيبٌ وَاحِدٌ، وَالتَّوْأَمُ وَلَهُ نَصِيبَانِ، وَالرَّقِيبُ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَالْحِلْسُ وَلَهُ أَرْبَعَةٌ، وَالنَّافِسُ وَلَهُ خَمْسَةٌ، وَالْمُسْبِلُ وَلَهُ سِتَّةٌ، وَالْمُعَلَّى وَلَهُ سَبْعَةٌ، وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا: لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا وَهِيَ الْمَنِيحُ وَالسَّفِيحُ وَالْوَغْدُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الْقِدَاحَ فِي خَرِيطَةٍ تُسَمَّى الرَّبَابَةَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ يُسَمَّى الْمُجِيلَ وَالْمُفِيضَ، ثُمَّ يُجِيلُهَا وَيُخْرِجُ قَدَحًا مِنْهَا بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَخْرُجُ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا وَيَغْرَمُ ثَمَنَ الْجَزُورِ كُلَّهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا وَلَا يَغْرَمُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدَحُ لَغْوًا ثُمَّ يَدْفَعُونَ ذَلِكَ الْجَزُورَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ وَيَذُمُّونَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَيُسَمُّونَهُ الْبَرَمَ وَهُوَ أَصْلُ الْقِمَارِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنْوَاعُ الْقِمَارِ كُلُّهَا، قَالَ طاووس وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ