نعم وللإجازة ما ذكرنا من الحكم، وأنها أحد طرق الرواية مما وجب؛ لأنها من حكم في عمل أو رأيه وجب للآخر، ولا فارق بينهما وبين السماع إلا ما ذكرناه من اعتبار العلو والترجيح، ونزيد ذلك إيضاحا أن نقول: هي إما خبر جملي، والخبر الجملي معمول به كالأذن للمحجور في التصرف، أو وكالة والوكالة أصل من أصول الشريعة المطهرة في قول أو عمل أو خبر ضمير كاشهدوا على مضمون هذا الكتاب، على أن ذلك معنى الإقتداء بالأنبياء، وقد بلغ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به مرة بنفسه، وأخرى برسول، وثالثة بكتاب وترتب على ذلك معاملة، نحو كسرى وقيصر والنجاشي في إسلام وكفر، وكفى بتقرير الله كتاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس في كتابه الكريم قال تعالى: ?إني ألقي إلي كتاب كريم، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم?[النمل: 29، 30]، وبما قضى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: ?ما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون? [العنكبوت: 48] فسوى في ذلك بين الخط والتلاوة، ونفى الارتياب، وكذلك ما أكد سبحانه نحو الشهادة في الكتب قال سبحانه: ?يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل?[البقرة: 282] وفائدة ذلك الرجوع إليها والاعتماد عليها، والخبر فرع عنها، بل خبر عنه تعالى بالحكم شهادة عليه به وبما في كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كان يتحملها آحاد الرسل ولم يعلموا بما فيها وما ذاك إلا ليعمل بموجبها من لم يطلع عليها ما ذاك إلا للإجازة، على أن السلف مشوا على ذلك وتبعهم الخلف، فكان حجة أو إجماعا، لا يشترط إلا العدالة، إذ العدل لا يطلق مثل ذلك إلا وقد صح له سماعه وأذن له فيه، ثم قال في آخر كلامه: على أن المصنف لكتب الهداية لم يصنفها إلا وقد أذن بالأخذ عنها والعمل بما فيها، وقد صرح بذلك الإمام المهدي أحمد بن يحيى عليه السلام في (المنهاج) وأجاز وبخط يده كتابه (الغيث) لمن أطل عليه، وكذلك القارئ المصحح لها لفظا أو معنى.
قال السيد الهادي بن يحيى في هامش كتاب أبيه (الجوهرة) ما لفظه: حسبنا الله وحده، وصلى وسلم على محمد وآله وسلم: سمعت هذا الكتاب على حياة الوالد قدس الله روحه، وقد أجزت لمن قرأه أو قرأ شيئا منه أحدا من المسلمين، وكتب الهادي بن يحيى وفقه الله انتهى بلفظه.
قلت: وقال الإمام المهدي في من قرأناه عن يحيى بن حميد قال ما لفظه: سمع علينا الفقيه الفاضل علي بن محمد البحري هذا الكتاب يعني (الأزهار) من أوله إلى آخره، وقد أذنا له أن يروي عنا لفظه كما سمعه منا، وأما معانيه فعليه مطابقة ما وصفناه في الشرح الكبير وقد أوضحنا معانيه التي قصدناها غاية الإيضاح وأجزنا رواية المعاني عنا لكل من وقعت في يده من هذا الشرح نسخة مصححة، وسألنا الله أن يكتب لنا ثوابا صالحا وسألنا من انتفع بهذين الكتابين أن يدعو لنا بمثل ذلك والله الكافي انتهى.
قلت: وتفهم منه ومما تقدم عن السيد الهادي بن يحيى أنه يجيز الإجازة مطلقا.
نعم فاختلف أئمتنا: هل المعتبر صحة الرواية إلى المؤلف في هذه الكتب أو لا؟ قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى عليه السلام في (الغيث) في ذكر علوم الاجتهاد: وقد اشترط غير ذلك وليس عندنا بشرط منها: علم الجرح والتعديل في رواية ما يحتاج إليه من السند، وقد صحح المتأخرون خلاف ذلك وهو أن المعتبر صحة الرواية عن المصنف ثم العهدة عليه، واختار الإمام القاسم بن محمد عليه السلام خلاف ذلك.
مخ ۳۹