فاستفرغ المهدي ضحكًا وقال لعلي بن سليمان: لأحكمنك على حكمه، قال: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين. فقال: لا بد من ذلك. قال فإني أحكم أبا دلامة. قال: نعم إذن. وافتدى منه بمال.
أخبرنا أبو العباس بن محمد قال: قال لي محمد بن منصور قال لي سعيد بن مسلم: ما رأيت شاعرًا أحسن زيًا من أبي دلامة، ولا أظهر مروءة منه، ولا أنظف لباسًا.
ومما يستحسن له مرثيته للمنصور وتهنئة المهدي في قصيدته، يذكر في كل بيت المعنيين. والقصيدة جيدة، وهي التي يقول فيها:
عينان: واحدة ترى مسرورة ... بإمامها جذلى وأخرى تذرف
تبكي وتضحك مرّة، ويسوءها ... ما أبصرت ويسرها ما تعرف
فيسوءها موت الخليفة محرمًا ... ويسرها أن قام هذا الأرأف
ما إن رأيت ولا سمعت كما أرى ... شعرًا أرجله وآخر أنتف
هلك الخليفة يا لأمة أحمد ... فأتاكم من بعده من يخلف
أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف
فابكوا لمصرع خيركم ووليكم ... واستشرفوا لمقام ذا وتشرفوا
حدَّثني نصر بن محمد الخزري عن بعض رواة الأخبار قال: كان أبو العباس مولعًا بأبي دلامة، لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا لحسن أدبه، وجودة شعره، وكثرة ملحه، ومعرفته بأخبار الناس وأيامهم، وكان أبو دلامة خليعًا ماجنا، وكان يهرب منه، ويأتي حانات الخمارين، فيشرب مع إخوانه. ويكره مجالس الخلفاء لما في ذلك من المشقة والتعب وشدة التوقي،
1 / 60