53

ووعد يوان بتحويل العاصمة من بكين إلى نانكين في الجنوب، وأبرق بهذه الوثائق إلى سن ياتسن كأنه يتعجل إنجاز الوعد باختياره رئيسا للجمهورية، فاعترض سن ياتسن على الصيغة التي كتبت بها وثيقة النزول وقال: إنها تجعل الجمهورية بمثابة المنحة الملكية التي يجوز للإمبراطور أن يستردها متى شاء، مع احتفاظه بلقبه وقصره ومراسمه وحاشيته، فوافقه الكثيرون من النواب والساسة على تأويله، ولكنهم حسبوا أن مسألة الصيغة لا تساوي مشاكل الخلاف ومصائب الحرب الأهلية، وقبلوا نزوله عن رئاسة الجمهورية للقائد يوان، وأسرع هذا إلى إبرام الأمر الواقع، فعين سن ياتسن مديرا للسكك الحديدية.

ولا نعلم عن التحقيق أسرار المفاوضات التي دارت بين يوان والأميرة الشابة (لنج يو) الوصية على العاهل الصغير، إلا أنه قد هدم أعصابها بوسائل شتى ولم يقتصر على وسيلة واحدة، فمن وسائله أنه أوعز إلى ضباط الفرق، وكلهم ممن تعلموا على يديه وترقوا برعايته، أن يبرقوا إليه معلنين إخلاصهم للنظام الجمهوري وثقتهم بحكمته وحنكته واقتداره على حل المشكلة بما يرضي الأمة ويصون الوحدة القومية، وأنه أوقع في روع الوصية أنه لا يستطيع أن يعمل بغير مال يشتري به الثوار ويقسم به صفوفهم ويضمن مرتبات جنوده زمنا؛ مخافة أن ينفضوا عنه وينقلبوا عليه قبل انفراج الأزمة.

فسلمته الوصية خزانة الدولة، واكتتبت مع الأمراء والأميرات بالذهب والفضة بعد إفراغ الخزانة العامة، فلم يبق لديهم ما ينفقونه على المعارك والمساعي السياسية لو خطر لهم أن يخالفوه ويركنوا إلى مشورة أحد غيره، وربما زعم للوصية المتحطمة أن الحكومة الموقوفة ظل زائل، وأن الإمبراطور ربما بلغ سن الرشد وهي في خبر كان، وأنه باق على ولائه للبيت المالك عند الحاجة إليه.

ولا يدعو الموقف حينئذ إلى أكثر من مرسوم يصدره الإمبراطور بمشيئة الشعب الذي سيضجر مع الزمن من عجز العهد الجديد ولا يصعب على الوصية أن تقبل هذه التعلات فهي أحب إليها بأية حال من كفاح لا يعاونها عليه أحد، ولا تضمن من عواقبه ما ضمنته لها من وثائق الاتفاق، وقد رؤي هذا الباقعة في مؤتمر الأسرة المالكة الأخيرة يضرب الأرض بجبهته ويبكي ويأبى أن يرفع وجهه خجلا من النظر إليها وهي تستسلم لمصيرها، وسمعت الوصية تقول للعاهل الشاب: إذا كنت الآن لا تزال بقيد الحياة فالفضل في بقائك لهذا الصديق النصوح، وكان يوان قبيل ذلك بلحظات يقول لهم: إن لويس ملك فرنسا لو وجد حوله من يقنعه بالإصغاء إلى صوت العقل لما هلك وهلك معه ذووه!

ولقد عز على ناس من خلصاء الرئيس سن ياتسن أن تؤول الثورة إلى هذا الباقعة الذي لم يثبت قط على الولاء لأحد، ومن هؤلاء شيان كاي شيك خليفة سن ياتسن على قيادة الصين، فإنه اعتزل منصب العسكرية وعاد إلى اليابان يستكمل دروسه ويترقب من ثم تقلب الحوادث والأحوال. وأخل يوان بأول شرط من الشروط المطلوبة وهو تحويل العاصمة من بكين إلى نانكين، فتعلل ببوادر الفتنة - وهي من تدبيره - للبقاء بالعاصمة الشمالية وحراسة الأقاليم من ورائها، وأجل الانتقال إلى العاصمة الجنوبية إلى أجل غير محدود.

ثم سرت مساعي يوان شيئا فشيئا من طريق الدعوة السياسية، فلما نظم سن ياتسن حزبه باسم «الكومنتانج»؛ أي الحزب الوطني، نظم يوان حزبا يقابله باسم حزب التقدم (شنبتانج) ودس أعضاءه في دواوين الحكومة ومراكز النفوذ، وكلف عالما من علماء القصر الدستوري الأمريكيين وخبيرا من أساطين الصحافة الإنجليزية أن يدرسا الحالة العامة من الناحية الفقهية والتقليدية، ويكتبا بالرأي الذي يريانه تقريرا مفصلا معززا بالشواهد والأسانيد للاستئناس به عند تقرير النظام الدائم عما قريب!

هذان الخبيران الدستوريان هما الأستاذ فرانك جودناو

Goodnow

والدكتور موريسون

Morison

ناپیژندل شوی مخ