فاستاء كمال لهذه الملاحظة، لأنها نقد لاذع من ناحية، ولأنها لا تخلو من حق من ناحية أخرى، ثم قال متهربا من التعقيب عليها: كل من الشيوعي والإخواني في أسرتنا على غير علم مكين بما يؤمن به! - الإيمان إرادة لا علم، إن أتفه مسيحي اليوم يعرف عن المسيحية أضعاف ما عرف الشهداء، كذلك عندكم في الإسلام .. - وهل تؤمن بمذهب من هذه المذاهب؟
فقال رياض بعد تفكر: لا شك في احتقاري للفاشية والنازية وكافة النظم الدكتاتورية، أما الشيوعية فخليقة بأن تخلق عالما خاليا من مآسي الخلافات العنصرية والدينية والمنازعات الطبقية، بيد أن الاهتمام الأول مركز في فني ..
فقال كمال وكان في صوته دعابة: ولكن الإسلام قد خلق هذا العالم الذي تتحدث عنه منذ أكثر من ألف عام .. - لكنه دين. الشيوعية علم أما الدين فأسطورة ..
ثم مستدركا وهو يبتسم: ونحن نتعامل مع المسلمين لا الإسلام ..
وجدا شارع فؤاد كثير الزحام رغم شدة البرودة، فتوقف رياض فجأة وهو يتساءل: ما رأيك في عشاء من المكرونة والنبيذ الجيد؟ - لا أشرب في الأماكن المأهولة، فلنذهب إلى قهوة عكاشة إذا شئت ..
فضحك رياض قلدس قائلا: كيف تطيق هذا الوقار كله؟ نظارة وشارب وتقاليد! حررت عقلك من كل قيد، أما جسمك فكله قيود، أنت خلقت - بجسمك على الأقل - لتكون مدرسا ..
وذكره تنويه رياض بجسمه بحادثة أليمة؛ فقد اشترك في حفل ميلاد أحد زملائه، وشربوا جميعا حتى سكروا، وهناك حمل أحدهم عليه معرضا برأسه وأنفه حتى أضحك الجميع. وإذا ذكر أنفه أو رأسه فقد ذكر عايدة، وتلك الأيام، عايدة خالقة أنفه ورأسه، ومن عجب أن يغيض الحب فيمسي لا شيء، ثم تبقى هذه الرواسب المؤلمة ..
وجذبه رياض من ذراعه وهو يقول: هلم نشرب نبيذا ونتحدث عن فن القصة، ثم نذهب بعد ذلك إلى بيت الست جليلة بعطفة الجوهري، وإذا كنت تقول لها يا عمتي، فسأقول لها يا خالتي ..
24
كانت السكرية في شأن، أو بمعنى أصح هكذا كانت شقة عبد المنعم شوكت. ففي حجرة النوم اجتمعت حول فراش نعيمة أمينة وخديجة وعائشة وزنوبة والحكيمة المولدة، أما في حجرة الاستقبال فقد جلس مع عبد المنعم والده إبراهيم وأخوه أحمد وياسين وكمال، وكان ياسين يداعب عبد المنعم قائلا: اعمل حسابك أن تكون الولادة القادمة في غير هذا الوقت الذي تستعد فيه للامتحان ..
ناپیژندل شوی مخ