فقال ياسين بحدة: كلا، سأبقى معك ...
وكان كمال من أعرف الناس بمزاج أخيه، فقال: لا داعي إلى ذلك البتة ...
فدفعه ياسين أمامه وهو يقول: إنها أمي كما أنها أمك!
وداخل كمال بغتة شعور بالخوف على ياسين! حقا إنه يسير مكتظا بالحياة في ضخامة الجمل ولكن إلام يحتمل حياته المفعمة بالأهواء؟ وطفح فؤاده بالكأبة، غير أن فكره طار فجأة إلى الطور، إلى المعتقل. إني أومن بالحياة وبالناس، هكذا قال، وأرى نفسي ملزما باتباع مثلهم العليا ما دمت أعتقد أنها الحق؛ إذ النكوص عن ذلك جبن وهروب، كما أرى نفسي ملزما بالثورة على مثلهم ما اعتقدت أنها باطل إن النكوص عن ذلك خيانة! وقد تسأل ما الحق وما الباطل، ولكن لعل الشك نوع من الهروب كالتصوف والإيمان السلبي بالعلم. فهل تستطيع أن تكون مدرسا مثاليا وزوجا مثاليا وثائرا أبديا؟!
وعندما مرا بدكان الشرقاوي توقف ياسين وهو يقول: كلفتني كريمة بأن أستبضع لها بعض اللوازم للمولود المنتظر عن إذنك ...
ودخلا الدكان الصغير، وراح ياسين ينتقي ما يريد من لوازم المولود المنتظر؛ قماطا وطاقية ومنامة، وعند ذلك تذكر كمال أن رباط عنقه الأسود الذي استعمله عاما حدادا على والده قد استهلك، وأنه يلزمه آخر جديد ليواجه به اليوم الحزين، فقال للرجل حين فرغ من ياسين: رباط عنق أسود من فضلك ...
وتناول كل لفافته، وغادرا الدكان ...
وكان المغيب يقطر سمرة هادئة فمضيا جنبا إلى جنب نحو البيت ...
ناپیژندل شوی مخ