198

سوډان

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

ژانرونه

كان سعادة عبد العزيز عزت باشا وزير الخارجية الحالي وزيرا مفاوضا لمصر في لندن سنة 1924، وقد أدبت جمعية الشرق الأدنى والأوسط بلندن مأدبة عشاء تكريما لسعادته في ليلة 2 مايو سنة 1924 بفندق سفواي بلندن.

وكان بين الحاضرين أغا خان وألفيكونت كودراي ومعتمد بولونيا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا وإيران وسيام والسفير الألماني ورجال المفوضية المصرية واللادي بويل التي كانت تستقبل المدعوين واللادي هيلانة بروكلهرست والأستاذ ألن جاردنر وقرينته واللورد لامنجتون واللورد هدلي واللورد كلفورد أوف شدلاي والسر جون فوستر فريزر والسر ديان ملكولم ميلريت والسر جورج ماكولي.

وقد خصص لهذه الحفلة خطيبان هما اللورد جلايشن رئيسها ومستر أرثر بونسنباي أحد أعضاء مجلس النواب.

وقد ألقى سعادة عبد العزيز عزت باشا في الحفلة الخطاب التالي:

أقدم شكري إلى الجميع من صميم الفؤاد على ما أبدوه من الشعور القلبي في الإجابة على نخب مولاي صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم وأقابل بالحمد والثناء ما نلته من الشرف بدعوتي هذه الليلة، وأشكر لحضرة النبيل اللورد جلايشن رئيس المأدبة ولحضرة صاحب المقام الجليل مستر بونسباي ما تلطفا به من القول ولأعضاء جمعية الشرق الأدنى والأوسط مساعيهم التي لا تعرف الملل في تعزيز التفاهم بين بريطانيا وبلادي. وإني أشعر أن نجاح هذه المساعي يعود الفضل فيه إلى الود الأكيد والعواطف القلبية التي تستقبلون بها ممثلي الشرق الأدنى والأوسط، وأعد هذا الاجتماع - وأنا واثق أن مواطني يوافقونني - شاهدا على الصداقة الموجودة الآن بين بريطانيا ومصر - هذه الصداقة التي تحتاج إليها البلدان كل الاحتياج.

إنني لم تضعف ثقتي قط بتقاليد بريطانيا القائمة على الحرية، والتي شادت عليها بريطانيا عظمتها الحقيقية. وهذا ما حملني على أن أبقى مطمئنا حتى في أظلم الساعات في تاريخنا الحديث، وما ذلك إلا لأنني كنت واثقا أن العدالة لن تفارق الروح البريطانية، فلم يهزني كل ما حدث؛ لأنني كنت على يقين أنه لا بد من أن يأتي يوم يبادر فيه الشعب البريطاني نفسه إلى إنجاز العهود التي قطعتها بريطانيا لمصر. وإنني الآن سعيد إذ أرى هذا اليوم قد دنا، وأن بريطانيا نفسها قد مدت إلينا يدها بإخلاص شأن الرجل الشريف الذي يعرف قيمة الصديق، فأؤكد لكم أننا نصافح هذه اليد وقلوبنا تفيض إخلاصا لأننا نعرف أن مصر تحتاج إلى صديق مخلص بين الأمم. ونحن موقنون أنه إذا تأكدت صداقة بريطانية ففي وسع وادي النيل بأسره أن يواجه المستقبل بثقة عظمى.» (2-1) مصر والسودان

كانت مصر - وما زالت - منذ عهد محمد على الكبير مؤسس الأسرة الحالية المالكة، راغبة كل الرغبة في التوصل إلى تفاهم مع الدول الغربية، وقد صافحت - بوافر الشكر - كل يد مدت إليها بإخلاص لمساعدتها على تحولها إلى دولة عصرية. والتاريخ شاهد كيف تمكن محمد علي الكبير من تثبيت ملكه وإصلاح مصر وإدخال الأساليب المدنية إلى وادي النيل بأسره. وليس من المجهول عندكم أنه قد تأسست في عهده الزاهر إدارة عصرية عادلة وأمرعت أراضي السودان، وتأسست المعامل حتى أعالي النيل الأزرق، وهكذا فتح وادي النيل للحضارة الغربية.

وفي الوسع أن نرى ما توقعه ذلك الرجل العظيم بأعماله ووصفه اللورد روزمري فيما بعد بقوله: «إن النيل هو مصر ومصر هي النيل.» بما رواه الدكتور ريشارد لبسيوس حوالي سنة 1842 مؤكدا أن محمد علي كان شديد الرغبة في إرسال البعثة إثر البعثة إلى أن يعثر على جميع منابع النيل الأبيض. ولكن تحقيق هذا المشروع الجليل قد ترك لينجزه حفيده إسماعيل الذي أدرك الحقيقة التي فاه بها دلكاسه السياسي الفرنسوي المشهور مشبها البلاد بعضو طبيعي حائز في داخله على خصائص النمو وطرائقه وحدوده التي يستطيع ضمنها وحدها أن يبلغ التقدم الصحيح، فإكراه أي بلد على تسليم قسم حيوي من كيانها العضوي لا يمكن أن ينتهي عاجلا أو آجلا إلا بمأساة لا مرد لها.» (2-2) عهد إسماعيل

وقد كتب مراسل جريدة التيمس في مصر سنة 1876 يقول:

إن في مصر حركة تقدم عجيبة، فقد بلغت من التقدم في سبعين سنة كما تقدمت بلدان كثيرة أخرى في خمسمائة سنة، وبعد هذا بسنتين ألقى مستر مستر فرنسيس كوب خطبة في جمعية الفنون نقلتها جريدة التيمس في شهر مارس سنة 1878 أشار فيها إلى عهد إسماعيل فقال: «من الأعمال المجيدة التي يخلدها التاريخ لهذه الأسرة الخديوية إلغاء النخاسة من الأقطار الحاكمة فيها». وقد أصاب إسماعيل بقوله: «إن بلدي لم تعد من أفريقيا، فنحن الآن جزء من أوروبا.»

ناپیژندل شوی مخ