فكتب «سيڨك» عن اسپينوزا تحفل بأمثلة للفهم التقليدي لفكرة الله، وهو يتحدث في كثير من المواضع عن الفكرة كما لو كانت تعني إلها مشخصا،
58
وكل ما في الأمر أن له بعض الصفات المخالفة للإله التقليدي، وهو ينتقد إله اسپينوزا هذا، ولكن على أساس أنه إله مماثل لغيره، سوى أن فيه بعض الصفات التي لا تتفق مع المفهوم الواجب لفكرة الله؛ فهو انتقاد داخل في إطار فكرة الألوهية كما هي معروفة منذ القدم.
ولكن أوضح أمثلة الفهم المشوه لفكرة الله عند اسپينوزا، هو في رأيي تفسير «بروشار
Brochard » له؛ فهو يحاول أن يثبت أنه لا يوجد في كتاب «الأخلاق» ما يتعارض مع فكرة الإله المشخص التقليدية، وهو يعترف بوجود «صعوبات» في هذا التفسير مثلا، مثل القول بمادية الله، ولكنه يتخلص من هذه الصعوبات بالقول إن غيره (كالرواقيين) قد وقعوا فيها (وهو في ذاته ليس حلا للصعوبة على الإطلاق!) بل إنه ليذهب إلى حد القول إن اسپينوزا، حتى في تلك الأوصاف التي لا تتمشى مع الفم التقليدي للفكرة، «لم يكن يدرك، على ما يبدو، أنه يخرج بمثل هذه التعبيرات عن التراث. وهكذا يظل يتحدث عن الله وكأن للفكرة، باستثناء الأوصاف المشار إليها، نفس معناها لدى الجميع.» ويخلص من ذلك إلى القول: «إن الاسپينوزية مذهب توحيدي متطرف.»
59
وهكذا يوصف اسپينوزا في هذا البحث، على التوالي، بأنه قال بإله مشخص، وبالتوحيد، وبكل المعاني التقليدية لفكرة الله (حتى رغم خروجه عنها دون أن يشعر) ورأي المؤلف هذا يمثل قمة السذاجة في تفسير اسپينوزا، وتكشف كتاباته عن مدى الخطأ الذي يقع فيه من يفسر اسپينوزا تفسيرا حرفيا؛ إذ ينسب إليه نفس الأفكار التي كانت الغاية الوحيدة له هي نقدها، ويغفل كل ما هو عميق في معانيه، متمسكا بالثوب اللغوي السطحي لأسلوبه.
وفي اعتقادي أن مجرد استخدام الشراح للفظ «الله»، دون إلحاقه دائما بالمعاني الحقيقية المقصودة من ورائه، هو خطأ أساسي في طريقة عرض فلسفة اسپينوزا، وهو خطأ نكاد نصادفه في كل ما ألف عنه من الكتب؛ فاسپينوزا ذاته كان يستخدم اللفظ، دون أن يوضح معناه دائما؛ لأنه لم يكن يستطيع في ذلك العصر أن يعبر عن معانيه بطريقة أصرح من هذه، ولكن ليس لمن يكتب عن اسپينوزا في عصرنا الحالي أي عذر في أن يظل يستخدم اللفظ دون أن يلحقه بمعانيه الحقيقية، إذ إن ضرورة «الحذر» تنتفي عندئذ، فضلا عن أن الفهم الحقيقي لمعاني اسپينوزا لا يستقيم أبدا طالما أن الكلمة تذكر دون تعليق أو شرح. إن المشكلة ها هنا نفسية في المحل الأول؛ فلهذه الكلمة، فوق كل ما عداها من ألفاظ اللغة، ارتباطات نفسية لا بد أن تطرأ على ذهن كل من يقرؤها، وليس من الدقة العلمية في شيء أن يظل الشارح يردد كلمة «الله» وهو يعلم جيدا أنها ستبعث حتما في ذهن قرائه معاني تقليدية لا مفر منها، وأنها ستنقله إلى مجال من مجالات المعنى مختلف تماما عن ذلك الذي كان في ذهن اسپينوزا عندما أوضح أفكاره التي ورد فيها هذا اللفظ. •••
أما الفئة الثانية من الشراح فلا تصل إلى حد القول بالفهم التقليدي مباشرة لفكرة الله، وإنما تعترف بالفوارق الواضحة بين معنى الفكرة عند اسپينوزا ومعناها التقليدي، ولكنها تسعى، رغم ذلك، إلى إيجاد نوع من التمييز بين فكرتي الله والطبيعة عنده. ولنضرب لهذه الفئة بعض الأمثلة: (أ)
يقول «هاليت
ناپیژندل شوی مخ