222

Speeches and Lessons of Sheikh Abdul Rahim Al-Tahan

خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان

ژانرونه

قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – ومن كيد الشيطان ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم في أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم: أن وراء العلم طريقًا إن سلكوه أفضى بهم إلى كشف العيان، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها، وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا، وأهل الرياسة والفقهاء وأرباب العلوم، والعقل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء حتى ينقش فيه الحق بلا واسطة تعلم، فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول – ﷺ – نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل، وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهدة كشفًا وعيانًا، فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل – عليهم الصلاة والسلام – قالوا: لكم العلم الظاهر، ولنا الكشف الباطن، ولكن ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة، ولكن القشور، ولنا اللباب، فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار، ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها من الآيات البينات، وأنها من قِبَل الله – ﷾ – إلهامات وتعريفات، فلا تعرض على السنة والقرآن، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان فليغفر الله لا له – ﷾ – ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات، وأنواع الهذيان، وكلما ازداد بعدًا وإعراضًا عن القرآن، وما جاء به الرسول – ﷺ – كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم (١) .

(١) انظر إغاثة اللهفان: (١/١١٩-١٢٠)، ولله در الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى – إذ يقول في تلبيس إبليس: (٢٨٨) ما نصه: قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله تعالى – في كتاب الإحياء: (٣/٤٧) مقصود الرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بخلوة في مكان مظلم، فإن لم يكن مكان مظلم فليلف رأسه في جيبه، أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال حضرة الربوبية. قلت – القائل ابن الجوزي –: انظر إلى هذه الترتيبات، والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق، وأن الذي يشاهده جلال حضرة الربوبية؟ وما يؤمنه أن يكون كا يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة، وقد يسلم الإنسان في مثل هذه الحالة من الوساوس، إلا أنه إذا تغشّى بثوبه، وغضّ عينيه تخايل هذه الأشياء، لأن في الدماغ ثلاث قوى، قوة يكون بها التخيل، وقوة يكون بها الفكر، وقوة يكون بها الذكر، وموضوع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ، وموضوع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ، وموضع الحفظ الموضع المؤخر فإن أطرق الإنسان، وغض عينيه جال الفكر والتخيل فيرى خيالات فيظنها ما ذكر من حضرة جلال الربوبية إلى غير ذلك، نعوذ بالله من هذه الوساوس، والخيالات الفاسدة.
وحكى ابن الجوزي في: (٣٢٣) كلام الغزالي في الإحياء (٣/١٨) وهو يشبه القول المتقدم، وعقب ابن الجوزي عليه بعبارات قاسية عادلة فقال: عزيز عليّ أن يصدر مثل هذا الكلام من فقيه، فإنه لا يخفى قبحه، فإنه على الحقيقة طيّ لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن، وطلب العلم، وعلى هذا المذهب رأيت الفضلاء من علماء الأمصار، فإنهم ما سلكوا هذا الطريق، وإنما تشاغلوا بالعلم أولا ً، وعلى ما رتب أبو حامد الغزالي تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها ولا يكون عندها من العلم ما يطرد ذلك فليلعب بها إبليس أي ملعب، فيريها الوسوسة محادثة ومناجاة، ولا ننكر أنه إذا طهر القلب انصبت عليه أنوار الهدى فينظر بنور الله – جل وعلا – إلا أنه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه – ولا تنافي بين العلم والرياضة، بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويعين على تصحيحها، وإنما يتلاعب الشيطان بأقوام أبعدوا العلم، وأقبلوا على الرياضة بما ينهى عنه العلم، والعلم بعيد عنهم، فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه، وتارة يؤثرون ما غيره أولى منه، وإنما يفتي في هذه الحوادث العلم، وقد عزلوه فنعوذ بالله من الخذلان أ. هـ.
واعلم أن الكشف من خوارق العادات، وخوارق العادات منحصرة في ثلاثة أمور وهي العلم، والقدرة والغنى، ولا تحصل تلك الأمور على وجه الكمال إلا لله – ﷿ – وحده، فهو الذي أحاط بكل شيء علمًا وهو على كل شيء قدير، وهو غني عن العالمين، وقد يحصل للعباد جزء من واحد من تلك الأشياء، ومن ذلك سماع العبد ما لا يسمعه غيره، ورؤيته ما لا يراه غيره يقظة أو منامًا، وعلمه ما لا يعلمه غيره إلهامًا أو فراسة فالسماع مخاطبات، والرؤية مشاهدات، والعلم مكاشفات، ويسمى ذلك كله كشفًا، ومكاشفات أي كشف له عنه.
وذلك الخارق كشفًا كان أو غيره إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة، وإن حصل به مباح كان من نعم الله الدنيوية، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه كان سببًا للعذاب والبغض.
وخوارق العادات على اختلاف أنواعها إن اقترن بها الدين نفعت صاحبها، وإلا أهلكته في الدنيا والآخرة، فحال الكرامات كحال الملك والسلطان إن تبعا الدين نفعا، وإلا كانا سببًا في تلف صاحبهما وهلاكه، انظر إيضاح هذا في قاعدة في المعجزات والكرامات لشيخ الإسلام ابن تيمية وهي ضمن مجموع الفتاوى: (١٠/٣١١-٣٦٢)، ومدارج السالكين: (٢/١٧٠، ٣/٢٢٧-٢٢٨) وشرح الطحاوية: (٤٤٨-٤٥٢) .

1 / 222