ماذا تفعل هنا؟ فأجاب وكأنه يغوص إلى سابع أرض: أنا ... كنت ... - يا شيطان، هل نسيت أن الواجب وراءك؟ - حللت المسألة. أقسم لك، أ.
فقبض أبوه على يده كما يقبض الشرطي على لص هارب، وصعد به إلى الدور الأعلى - وكان صوت حذائه الكبير وهو يرتقي السلالم يختلط بكلماته المهددة: سوف أرى. سوف أرى. سوف أرى. المدرسون يشكون منك. لم تخطئ في الحساب؟ لم تخطئ في الحساب؟ لم تخطئ؟ إني لا أفهم شيئا، رأسي ينشق، وأنا جائع أيضا. لا أستطيع أن تجمع عشرة وعشرة، وسوف أرى.
وفي البيت تكون أمه، ذات العيون السوداء والشعر المنفوش، هائجة لأن الخادمة لا تسمع كلامها. وهناك تبدأ في الشجار مع أبيه الذي يصرخ بها: سوف أرى. سوف أرى. رأسي ينشق. أنا جائع. لم لا تضربين الخادمة؟ لم تضربينها؟ وتصرخ في وجهه بينما يصيح أخوه الرضيع ويصيح حتى تكاد عروق رقبته أن تنفجر.
في مساء اليوم التالي فتح سمير باب الحجرة في حذر بالغ - بعد أن راقب الطريق، وعاين وجوه الرائحين والغادين فيه. ولم يحتج إلى فتح الباب بيديه؛ فقد وجده مواربا - وبدا له كأنه يرحب بمقدمه ويميل عليه يسأله: لم تأخرت الليلة؟
كانت الغرفة على غير عهده مظلمة، أطل بعينيه الصغيرتين أولا، ولو استطاع إنسان أن يرى عينيه بغير مرآة لحسبهما جمرتين تلتهبان في موقد فحم خمدت فيه النار. وبحث عن الشمعدان فلم يتبينه - إما أن العفاريت اختطفته أو أن الظلام كان أقوى منه - الشيطان وحده يعلم! وهرع إلى الفراش ومد يده ليدسها تحت الوسادة. - من؟
خرج الصوت من باطن الحجرة كما يخرج قط أسود من جحر الفيران.
وقف سمير مذهولا؛ فها هو جده في نهاية الأمر. - من بالباب؟ قلت من؟
فهمس سمير وكأن قلبه هو الذي يردد الكلام: أنا يا جدي.
فحشرجت حنجرة العجوز، وكأنها أوراق شجرة يابسة تهزها رياح الخريف: سمير؟ تعال يا ابني. تعال.
لا بد أن جده مد يده ففتح النافذة؛ فقد أغرق في طوفان من النور بهر عينيه، وتكشفت المرئيات أمامه. وها هو الشمعدان رابض أمام المرآة، الشمعدان وشبيهه. نظر سمير إليهما مغيظا وهتف في سره: لعنة الله على شمعدانات الدنيا كلها! - سمير.
ناپیژندل شوی مخ