ذلك لأن توقيفه تعالى يفتقر إلى الاضطرار إلى قصده والتكليف يمنع من ذلك. وإنما افتقر إلى الاضطرار إلى قصده لأنه أن أحدث كلامًا لم يعلم أنه قد أراد بعض المسميات دون بعض ولو اقترن بهذا الكلام إشارة إلى مسمى دون غيره. لأنا لا نعلم توجه الكلام إلى ما توجهت الإشارة إليه وإنما يعلم ذلك بعضنا من بعض بالاضطرار إلى قصده وتخصص الإشارة بجهة المشار إليه لا يعلم بها هل الاسم للجسم أو للونه أو لغير ذلك من أحواله. وأما إذا تقدمت المواضعة بيننا وخاطبنا القديم تعالى بها علمنا مراده لمطابقة تلك اللغة. وقد يجوز فيما يعد أصل اللغات أيكون توقيفًا منه تعالى لتقدم لغة عن التوقيف يفهم بها المقصود. وقد حمل أهل العلم قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ ١على مواضعة تقدمت بين آدم ﵇ وبين الملائكة على لغة سالفة ممن خاطبه الله تعالى على تلك اللغة وعلمه الأسماء ولولا تقدم لغة لم يفهم عنه عز أسمه.
وقد ظن قوم أن المواضعة بيننا تحتاج إلى إذن سمعي ولا وجه لهذا القول إذ الدواعي إلى التخاطب وتعريف بعضنا مراد بعض قوية والانتفاع بذلك ظاهر. ولا وجه فيه من وجوه القبح قبحت حسنه كالتنفس في الهواء. وكما تحسن من أحدنا الإشارة في بعض الأوقات إلى ما يريده من غير إذن سمعي فكذلك المواضعة على كلام يدل عليه. ومن فرق بينهما فمقترح. وإنما فزع العقلاء إلى الحروف في المواضعة لأنها أسهل وأوسع ومع التأمل لا يوجد ما يقوم مقامها.
فأما ما نحن بصدده من ذكر اللغة العربية فلا خفاء بميزاتها على سائر اللغات وفضلها.
أما السعة فالأمر فيها واضح. ومن. تتبع جميع اللغات لم يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية في كثرة الأسماء للمسمى الواحد. على أن اللغة الرومية بالضد فإن الاسم الواحد يوجد فيها
_________
١ سورة البقرة الآية ٣١.
1 / 49