وعندما تجمع بترج آخرون من رجالات الشريف الفاضل، اقترح عليهم الانصراف الكامل والمنعزل لقراءة وتدارس "كتب الأئمة" لمدة عام. وقد بلغ من قسوة تلك العزلة الدراسية أن فقد سليمان ابن الشريف الفاضل عقله، وتوفي على أثر ذلك. وبعد فترة بلغت الشريف الفاضل أنباء جعلته يخاف على سلامته بترج فتجدد عزمه على المضي إلى العراق. وصل الشريف الفاضل إلى مكة في رجب 459ه/ مايو - يونيو 1067م وأدى العمرة. وكانت مكة وقتها قد عادت للسيطرة الصليحية فلم يعد الشريف آمنا على نفسه فيها، وبخاصة أن شريف مكة آنذاك (محمد بن جعفر) بن أبي هاشم اعتذر عن استقباله. وهكذا خرج الشريف الفاضل من مكة قاصدا المدينة ووصلها في شعبان/ يونيو/ يوليو وقد شارفت أزواده وأزواد مرافقيه على النفاد. فاتجه الشريف الفاضل إلى نائب أمير المدينة الحسين بن مهنا الحسيني طالبا المساعدة، ذلك أن الأمير نفسه محيط (؟)(1) بن أحمد الحسني كان غائبا بمصر. فاستجاب نائب الأمير لطلبهم وخصص لهم مسكنا ضيقا مجاورا لبيت تؤتى فيه المنكرات، ومنحهم أطعمة ضئيلة متواضعة. وانصرف الفاضل لمتابعة خطط بالسفر إلى الكوفة ومن هناك إلى بيت المقدس. ثم ما لبث الفاضل أن ترك تلك الخطط لظروف متعددة. فقد وصلت للمدينة قافلة من العراق سطا عليها الأعراب في الطريق. كما عاد أمير المدينة إليها وتبين أنه أكثر بخلا من نائبه، وأقل استعدادا لتأمين متطلبات الرحلة من الأزواد والرواحل. وأخيرا فإن اعتزام الشريف الفاضل زيارة بني حسن بالصفراء لم يصل به إلى شيء لأن أحد الذين وعدوا بمرافقته ما لبث أن اختفى دون أن يترك أثرا.
لهذه الأسباب كلها استقر رأي الشريف الفاضل على العودة إلى اليمن للاستتار بين أفراد أسرته وبدأ رحلة العودة بالمرور بمكة دون أن يدخلها لما بلغه من أن غريب بن البقاء وزير الصليحي وصل إليها برجال ومال إعدادا لزيارة سيده للبلد الحرام. وعندما مضى قدما في رحتله بدأت تصل إليه إشاعات عن مقتل علي بن محمد الصليحي (11 ذو القعدة 459ه/ 22 أكتوبر 1067م). وما لبثت تلك الإشاعات أن تأكدت عند بلوغه ترجا. وأراد الفاضل بداية أن يقيم لبعض الوقت بترج، لكن طول بعاده عن أسرته وأصدقائه وأتباعه، كل ذلك دفعه للإسراع بالعودة إلى اليمن. وأثناء حركته جنوبا مارا بجرش بلد بني حي من خولان والحقل، وصلته رسالة من أخيه ذي الشرفين، الذي كان قد سبقه في العودة لليمن، تخبره بثورة الشريف حمزة بن أبي هاشم وتدعوه لمساعدته. وقد وجدت مقترحات أخيه قبولا لديه فبدأ يجمع حوله الأنصار والأتباع من وادعة وخولان وبني مالك والربيعة. لكنه عندما وصل إلى البطنة لقيه أخوه ذوي الشرفين مع جماعات من أتباعه، وبعض أعقاب القاسم بن علي، وأخبره بهزيمة الشريف حمزة ومقتله في معركة الملوى (22 ذو الحجة 459ه/ 2 نوفمبر 1067م) (1). وأحدثت تلك الأخبار المؤسية خيبة أمل كبيرة لديه فترك كل خطط الثورة والخروج ومضى إلى عيان(2) .
مخ ۲۱