وكان في خلال ذلك الفضيلة العظمى والعجيبة التي لم تقع على يد أحد من الأئمة، وذلك[57أ-أ] أن مقعدا يسمى فلان التنيين قد أتى عليه من السنين خمسون سنة أو يزيد قليلا أو ينقص قليلا من أهل صعدة يعرفه الناس يسير على يديه ورجليه تدب على الأرض كما يدب القرد حتى كان له نعل ليده يتقي بها الأرض على مرور السنين لا يعلم أحد أنه رآه على غير تلك الصورة.
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم: كنت أعرفه في سن الطفولة يدب كما ذكرنا يوحش من رآه فأتى يوما إلى أمير المؤمنين ليمسح عليه ولم يكن يخطر بباله أن الله تعالى يفعل به ذلك، فمسح الإمام على رأسه وظهره وأجرى كفه على مواضع بدنه ودعا له بالعافية فوجد من ساعته تلك بدؤ الشفاء، وعاد مرة فمسح عليه فقام بعد ذلك قائما منتصبا يسير كما يسير الصحاح من الناس، فكبر الناس وشكروا الله تعالى الذي خص أمير المؤمنين بهذه الفضيلة، وكان هذا المقعد يحمل السلاح في المواكب ويتصرف فيه ويلعب مع من يلعب بالسلاح، وكان الناس يأتون من البلاد القاصية ليتحققوا هذه الفضيلة، واشتهرت في البلدان ونظمت فيها الأشعار وجعلت طرازا في حلل الفضائل الإمامية، فمما قيل في ذلك من الأشعار ما نظمه الأمير الكبير المتوكل على الله شمس الدين أحمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله سلام الله عليه قوله:
أضاء على الإسلام نورك وانطفى .... بوجهك ليل الهم واتضح الفجر
وقد علمت آل النبي محمد .... بأنك أنت الفلك ما إن طمى البحر
وإنك لا وان ولا أنت طايش .... ولا مضمر سر الحقود ولا وغر
ولا عجب أن زادك الله حجة .... سماوية ما إن بها للورى عذر
أراك لها أهلا فزدت تواضعا .... فزادك تكبيرا بها من له الكبر
رضيناك للدنيا وللدين فارتفق .... على النجم مسموعا لك النهي والأمر
ومنها أبيات للقاضي الأجل اللسان ركن الدين مسعود بن عمرو العنسي أولها:
مخ ۱۸۴