162

سيره ابی طیر

سيرة أبي طير

ژانرونه

شعه فقه

قال أمير المؤمنين: ثم إن العسكر اطلع على القوم وهم في غفلة فمنهم من يزمر، ومنهم من يصفق ويلعب فحجزت بينهم سحابة قد انبسطت على الأرض، فصرخ الصارخ، وسمع القوم الطبول والحرانيات والآلات، فاجتمعوا إلى درب حصين على نشر لرجل من أهل قارن يقال له: مسعود بن أحمد، فاحتار فيه الأمير الكبير عبدالله بن يحيى بن حمزة بن سليمان في طائفة من العسكر ولم يكن معه إلا فرسه ودون العشر من الخيل وكانت الخيل مع الإمام فيما ذكر نيف وعشرون فرسا والرجل المقابلة دون رجل القوم، فارتفعت السحابة وقد تقارب العسكران، فحمل القوم بأجمعهم على عسكر الإمام فردوهم قليلا، ثم حمل عليهم عسكر الإمام حملتان وأبلى ذلك اليوم الشيخ الكبير نجم الدين قاسم بن منصور بن محمد الضريوة وحمل في الخيل فطعن رجلا منهم وولى القوم بأجمعهم نحو الدار التي قد تحصنوا فيها وبعضهم في القرية، فأحاط بهم العسكر إحاطة الهالة بالقمر بعد أن قتل منهم جماعة في خلال الهزيمة، ورمي الشريف الأمير علي بن علي من آل يحيى بن حمزة بن أبي هاشم وكان من جملة [53أ-أ] المقدمين مع القوم فأدخل الدار ومات من ساعته، وبلغ إلى البلاد الحميرية وما يصاقبها من البلاد أن الإمام قد أوقع بعساكر الغز ومن معهم في قارن فتبادر الناس في أسرع ما يكون، فلم يمض من النهار إلا القليل حتى اجتمع من الخلق ما لا يكاد أن يضبطه العدد، واستمر القتال والزحف على الدار حتى أرهق القوم الجراحات وأضرمت عليهم النار والدخان، وثقبت عليهم الدار ثقوبا فكان الواحد منهم يرمي بنفسه طامعا في النجاة نحو عسكر الإمام فيختطف الأول سلاحه والثاني ثيابه والذي بعده يقتله، ثم إن الأمير فخر الدين عبدالله بن يحيى بن حمزة أهاب ببردة وطلب الخروج على حكم الإمام إلى ذلك وأمر بإخراجه، فأقام في مركز الإمام وهو ينتظر إلى عسكره ومن معه يقتلون ويؤسرون لا يطمع لأحد منهم بنجاة فلم يرفع منهم السيف حتى مضى وقت العصر وعند ذلك أمر أمير المؤمنين عليه السلام برفع السيف حتى يقضي الصلاة وينظر في الأمر والقوم في أشد ما يكون يدعون ويستجيرون ويعدون من أنفسهم بالتوبة، فلم ير أمير المؤمنين إلا رفع السيف عنهم والخروج بعد ذلك على حكمه إلا على جماعة استثناهم، فاستأسر القوم بأجمعهم إلا القليل: {وكان يوما على الكافرين عسيرا}(1).

أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنه أخبره ثقة من الناس أنه عد القتلى فكانوا ثلاثمائة رجل قتيلا، ونيف وثمانين قتيلا، هذا في قرية قارن وفي هذا الدرب وما قاربهما دون من حمل بنفسه جريحا فمات في الشعاب والرحاب، فأما الأسرى فخلق كثير منهم من من عليه، ومنهم من اشترى نفسه، فأمر أمير المؤمنين بالأمير عبد الله بن يحيى سيرا إلى حصن عزان وغنم الناس أسورة الفضة ومطارف الحرير والسلاح والخيل والدواب وغير ذلك مما لا يمكن حصره، وسار ذكر هذه الوقعة في الآفاق وعظم بها شأن أمير المؤمنين، وعز الإسلام، وارتفعت رؤوس القبائل من حاشد وبكيل ممن كان مقهورا، ونهض أمير المؤمنين بعد ذ لك فحط في حلملم.

قصة إقامته عليه السلام في حلملم بعد وقعة قارن

قال الراوي: ولما جرى هذا الفتح الجليل والنصر العظيم أقبل إلى أمير المؤمنين قبائل العرب من مسور وبلاد حمير والأعذار وبلاد بني عشيب وبلاد الأجبار من شظب وتلك النواحي، وبلاد قدم وبني شاور وتلك النواحي سامعين لأمره ممتثلين لرسمه مهنئين له بهذا الفتح العظيم، فأحسن عليه السلام إكرامهم ودعا لهم وأمرهم بما أراد من الاستعداد للجهاد وبذل النفوس والأموال، وكان الناس يأتوه أفواجا فيصدرون عنه بوجوه مستبشرة وقلوب مسرورة كل طائفة تظن أنها فازت من الإكرام بما لم يفز به غيرها.

مخ ۱۶۹