سمع عمر.... قارئا يقرأ:{ أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}[الشعراء: 205،206،207] فوقعت في قلبه وغشي عليه، وقال: قد قرأت هذه الآية كذا وكذا مرة فلما سمعتها ما كأنها قد قرعت سمعي.
وروي: أن أعرابيا دخل البصرة أو الكوفة-والله أعلم-وهو راكب على راحلته، فأول من لقيه الأصمعي رحمه الله تعالى، فقال:انزل أيها الأعرابي عن ناقتك لأسمعك شيئا من كلام الله، فقال الأعرابي: أو لله كلام ؟! قال:نعم، فنزل لنفحة الرحمة التي حضي بها، فتعوذ الأصمعي وقرأ: {إن المتقين في جنات وعيون}إلى قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وفي السماء رزقكم وما توعدون}فقال الأعرابي: حسبي، فكسر قوسه، وقصد لبة ناقته فنحرها، فقال للأصمعي: أعني على تفريقها للمساكين، وذهب فارا إلى الله للسعادة الأبدية، فغاب عن الأصمعي مدة، فرآه فقال: أعد علي من كلام الله ما قرأت علي، فقرأت الآية من أولها{وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}[الذاريات:22، 23]فقال الأعرابي: من هذا الذي ألجأ الله حتى أقسم من هذا الذي ألجأ الله حتى أقسم؟(1) فلم يزل يرددها حتى خرجت نفسه، فجهزه الأصمعي وصلى عليه ودفنه، ورآه في منامه على حال سنية(2) فقال له: ما حالك ؟ فقال: رفعني (الله) (3) على منازل الشهداء؛ لأن الشهداء قتلوا بسيوف الكفار ، وأنا قتيل كلام الجبار.
مخ ۴۲