وليست هناك مباراة في البيع في روسيا؛ وإذن لا حاجة إلى الإعلانات. وقد ذكرت مثالين عن إساءة الاستعمال في الإعلانات، وهما مثال شركة التأمين ومثال شركة البواخر، ولكن في ظني بل يقيني أن أعظم من أساء الاستعمال للإعلانات في الصحف هو الحكومة المصرية في عهدها اللعين البائد أيام الوزارات الإقطاعية.
فقد كانت الإعلانات توزع على الصحف المصرية، لا للانتفاع بانتشارها حتى تصل إلى المحتاجين إليها فيعرف منها المقاول مثلا أخبار المزايدة أو المناقصة أو نحو ذلك، وإنما كانت توزع بالمحاباة الصريحة بحيث تعود هدية أو رشوة من أحد الوزراء لأحد الصحفيين فحسب، أما خدمة الدولة في مصالحها المالية فلا شأن لها أي شأن في نظر الوزير. بل كانت هناك مجلات أسبوعية لا يتكلف إصدار العدد الواحد منها خمسين قرشا يحمل من الإعلانات الحكومية ما كانت تبلغ قيمته عشرين جنيها أو أكثر.
وبعض الجرائد في بعض الأحيان يزيد ثمن الورق الذي تطبع به على ثمنه وهو جريدة مطبوعة، بل يزيد أضعافا في بعض الأحيان، وإنما يحصل أصحاب الجريدة على الربح من الأجور العالية للإعلانات.
بل يحدث أكثر من ذلك، فإن بعض المصانع والمتاجر والمؤسسات المالية تؤسس الجرائد وتغذوها بالمال حتى تنتشر، ويكون القصد خدمة هذه المصانع والمتاجر والمؤسسات، وإلى الآن لا أعرف مثل هذه الحالات - لحسن الحظ - في مصر، ولا ينتظر أن يحدث مثل ذلك في مصر إلى سنين عديدة قادمة، فإن رأس المال في أوروبا وأمريكا من القوة والحيلة والدراية، بحيث تمتد شباكه إلى الصحف فيستغلها، ولكنه لا يزال ضعيفا في مصر.
وقد قلت إن الإعلان كثيرا ما يؤدي إلى التنوير، خاصة إذا كان بشأن مشروع جديد يحتاج إلى الدعاية، ولكني أعتقد أن الإعلانات في مجموعها تنتهي إلى التغرير وليس إلى التنوير، وإن تكن مع ذلك ضرورية في نظام المباراة الذي نعيش فيه، ولو أن حكومة ما من حكومات رأس المال، حزمت رأيها ومنعت الإعلانات في الصحف لكانت شكوى القراء أكبر من شكوى أصحاب رأس المال، إذ ليس لنا طريق إلى الوقوف على السلعة التي نريد شراءها غير الجريدة والمجلة في الوقت الحاضر.
ولعل من المفيد أن نقول إن تدريس فن الإعلان يلقى في بعض الجامعات اهتماما أكبر من تدريس فن الصحافة، وهذا معقول؛ إذ هو يتفق ونظام مجتمعنا القائم على المباراة في التجارة والصناعة.
الفصل السادس
الأسلوب في الصحافة
حين أعود بذاكرتي إلى الستين سنة الماضية في حياتي، أي منذ شرعت أقرأ وألتفت إلى الصحف، أجد أن الأسلوب السهل المنير الذي وصلنا إليه في الكتابة بلغتنا العربية، لا يعود الفضل فيه إلى معلمي اللغة في المدارس، بل لا يعود الفضل فيه حتى إلى الكتاب «الأدباء» القدامى، وإنما الفضل في هذا الأسلوب يعود إلى الصحف.
ذلك أنها - لاضطرارها إلى السرعة في إيراد الخبر - احتاجت إلى أن تختار من الكلمات والعبارات ما تسهل كتابته وقراءته معا؛ إذ لم يكن يتسع الوقت للخبر أو المحرر أن ينظر بكلمات السجع أو المجاز أو أن يتبختر بالعبارات الموسيقية المزيفة التي كان يعتقد أنها فنية.
ناپیژندل شوی مخ