كانت صحبته إياي من أطراف الطفولة إلى آخر الشباب إلى تخوم الكهولة، وهي أيام شبع العمر، لا يطعم فيها من شيء إلا طعم من لذة، وما بعدها من تقاصر الحياة، واختلالها إلا كأيام سوء الهضم؟
إذا كان في امرئ من الناس باق بعد شبابه، فما أشبه هذا الباقي في جانب ما قبله بنواة الثمرة الحلوة من لبابها: تنتهي فيما تأكل إلى النواة، ولكن بعد أن يكون أطيب ما في الثمرة قد انتهى، وتفضي مما ينعصر في الريق حلاوة، ويسيل في الحلق لذة إلى بقية من الخشب رطبه أو يابسه، فلو كانت النواة من الذهب ما رجعت لك من ثمرتها رجعة.
4
يا أيام الشباب! أنت وحدك نور الحياة؛ لأنك منذ الفجر، وأنت وحدك نهار العمر؛ لأنك إلى أن تصفر الشمس، وليس وراءك إلا كآبة الليل تتقدم ليلها باسمة في شفق المغرب!
يا أيام الصبا! أنت وحدك الحب؛ لأن فيك ما في العيون الحبيبات، أشخاصا روحية ظاهرة بمعانيها الفتانة، فهي تلقي أشعة الجمال على كل ما تنظر إليه.
يا أيام الرجولة الأولى! إن في زمنك وحده تحل السعادة في العقل، إذ يكون العقل في عهدك ما يكون الطفل في عهده: لغته تجري من معاني الدموع والابتسام والضحك، ولا يستدير به إلا الأفواه الحبيبة التي تقبله أكثر مما تزجره، وحتى لو ضرب لكان الضرب سببا من أسباب تقبيله فيما بعد ...
يا أيام الشباب! أنت وحدك العمر، ومن بعد الشباب كل شيء يكون ففيه من الماضي فعل مستتر تقديره: كان! •••
يرحمك الله يا صديقي الكريم، تركتنا مصعدا إلى الله في سلم كانت الأولى من درجاتها عتبة هذا البيت في مصر، وكانت الأخرى تلك العتبة الطاهرة من بيت الله في مكة.
وذهبت عنا، وما علمنا أنك طائر يغطي تحت ريشه سر الجاذبية العليا.
واستودعتنا الله واستودعناك؛ فاشتبكت دموع في دموع، وما حسبنا أن أرواحنا تقيم من ذلك مناحتها قبل الفراق الأبدي.
ناپیژندل شوی مخ