وضعت الجنة تحت قدميها، فترى في وجهها معاني ليست من هذا العالم، وليست من الجنة نفسها؛ إذ تزيد على كل مسرات الدنيا هناءة الاطمئنان السعيد المفاجئ الذي لا يكون في الحياة إلا هنيهة ثم ينقطع، وتزيد على ما هناك هذه اللهفة اللذيذة التي لا توجد إلا هنا على أرض حينما تفجأ السعادة بعد شقاء لا يحتمل.
إن من لم ير أما أشفى طفلها على الموت في حادثة أخذته بغتة، ثم نهض سليما معافى، أو ضل عنها مدة حتى يئست منه، ثم اهتدت إليه؛ لا يكون قد رأى شيئا من سعادة الإنسانية العالية النادرة التي لا تكون إلا في الأمهات خاصة، ولا يشهدها الناس إلا في ساعة حرجة، تلمس فيها يد الله قلب الأم! •••
وهل الطفلان
13
لما أبصرا أمهما، ونفضا أيديهما نفض الأجنحة، ثم أكبت هي عليهما بجسمها، ومدامعها، وقبلاتها، والتحما بها التحام الجزء بكله، واشتبكت الأذرع في الأذرع حتى لا تفرق بين ثلاثتهم في معاني الحب إلا بالكبر والصغر، ورجعت معهما طفلة كأن تاريخها ابتدأ جديدا في ساعة من الساعات الفاصلة التي يتحول عندها التاريخ.
وإذا كانت القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها، فلقد كانت هذه القلوب الثلاثة في تلك اللحظة تنطق وجوهها بأنها في يد الله يهزها هزا! ولكم وددت لو أستطيع أن أخلط بها قلبي المسكين في لمسة واحدة ليشعر ولو لحظة في هذه الحياة أنه سما بروحه فوق العالم كله!
لو أصابك الهم لحبيبك إذ تراه مهموما متألما لذقت أحلى أنواع الآلام السعيدة؛ فكيف بك لو تبدل همه بغتة، فأقبلت عليك قبلاته وضحكاته تزحزح عن قلبك ناموس الكآبة؟
الحب! وما الحب إلا لهفة تهدر هديرها في الدم، وما خلقت لهفة الحب أول ما خلقت إلا في قلب الأم على طفلها ترأمه وتحنو عليه، ولن يحفظها للعالم إلا هذا القلب نفسه. ولقد يكون عمر الطفل يومين، ولكن لهفة أمه عليه، وحفظها إياه حفظ عينيها، تجعل له من الحب عمرا متطاولا، ولا يقاوم به الأقدار العادية عليه في مسارحها، ولولا ذلك لحطمته هذه الأقدار كما تحطم كل طفل أهمله ذوو عنايته،
14
فلهفة الأم على طفلها كأنها قوة سنين عددا في جسم هذا الطفل، ومن ثم لم يكن الحب الصحيح في أسمى مظاهره إلا حب المرأة لبني بطنها،
ناپیژندل شوی مخ