24
فهي في معنى الكمال الأصل؛ لأنها الأمومة، وهي في العفة الأصل؛ لأنها الزوجية، وهي في الحياء الأصل؛ لأنها العرض، وكذلك هي الأصل في المعركة الجنسية؛ لأنها المقاومة والمدافعة للرجل، والأصل في الفضيلة الإنسانية؛ لأنها المنشأ والمربى للطفل، والأصل في الشرف الاجتماعي؛ لأنها المثال الأدبي للجميع ... ومن ثم كان سقوطها سقوطا لهذه المعاني كلها، فهو تهدم الأساس لا الحائط، وفساد الجذع لا الفرع، وعلة نفس الاجتماع لا علة جسمه.
هيهات هيهات، فلن تشعر المرأة الساقطة إلا شعور من فقدت نفسها التي كانت نفسها، وبدلت أخرى لا تلائمها؛ فهي أبدا هائمة وراء نفسها الأولى تبحث عنها، ولا تنساها؛ لأن ذلك الأصل الطبيعي لا يزال يناجيها في قلبها بلغة الأمومة، والزوجية، والحياء، والفضيلة، وما نفسها الشريفة إلا جواب هذه اللغة، وهي ليست فيها، فكأنها تحمل على حياتها أربع جرائم في جريمة؛ هي أشقى النساء، ترى في ذات عقلها الرهان العقلي على أنها امرأة ساقطة! •••
فتغررت عيناها بندى رقيق من الدمع، وقالت: لما كنت فتاة ...
فقطعت عليها الكلام وقلت: في تلك الفتاة كل البراهين فسليها، إنها هي نفسك الهاربة منك!
فوجمت هنيهة لهذه الكلمة، ثم انهملت عيناها انهمالا، وجاءها الدمع الطاهر يجري من أقصى الطفولة؛ فخالطني بثها وحزنها كأن دموعها تسقط على مواقع من نفسي!
فقلت: أتأذنين في كلمة؟
قالت: بل أسألك أن تتكلم، فإن مدامعي هذه عرضت لي كالمطرة السانحة في حميم القيظ من صميم الصيف على أرض مغبرة مقشعرة، تثور سخطا على كل قدم تطؤها؛ وإن فكري ليكلمني الساعة بلسانك كما يدوي الناقوس بصوته العالي الرنان بعد أن كان هذا الناقوس مختنقا في بما يطيف به من الضغط؛ فكان لا يدق إلا دقات مصمتة لا رنين فيها، كأنه ناقوس من الخشب!
آه! لقد كنت كالغدير الصافي: لا يعرف ماؤه إلا وجه السماء، وضوء القمرين، وأخيلة النجوم، وظلال الشجر والنبات، فأصبحت كالماء الذي كثرت واردته من البهائم؛ فهي تختبطه بأرجلها، وتضيف إلى وحوله وحولها، ولا تستعذبه إلا أن تغشي أعلاه بطبقة من أسفله،
25
ناپیژندل شوی مخ