قالت: كلا، ما تبلغ بي الغفلة هذا المبلغ، ولقد درست وبحثت، وفي هذا الرأس ما في رأس رجل عالم فلا تظن غيره، ولكني إن أجن لا أجن إلا على نفسي، وهي لي وحدي، وأنا حرة كيف أتولاها، أفأنت رادي إلى العبودية؟
قلت: أنت حرة ما شئت، وما وسعتك الأرض إذا كنت لنفسك، وإذا كنت لا تتصلين بأحد من الناس اتصال العلة المهلكة، أو المعجزة، أو المذهلة، أو اتصال الرذيلة السامة بالدم النقي!
قالت: فإني لا أتصل بأحد، ولكنهم يغرمون بي، ويتنافسون علي؛ فأجد في تنافسهم لذة من أمتع لذاتي.
قلت: وكذلك نردم الحفرة إذا اعترضت طريق السابلة وقاية لمن عساه يغفل فيعثر بها، فإن بلغت أن تكون هاوية طبيعية لا حيلة فيها، ومردت بها طبيعتها المنخسفة، ميزناها بالعلامات، وضبطناها بالحدود، وسميناها بالأسماء، وجعلناها آية التحذير من الهلاك؛ حتى لا يزل أحد فيتردى فيها، وإذا كان من لذتك أن تشهدي اقتتالهم عليك، فهذا حسبك في أن تعاستهم أن يقتتلوا، وكنت ولا جرم في لغة الاجتماع من بعض معاني الشقاء والتعاسة! ... ثم إن في تلك اللذة منك دليلا حيوانيا على أن في طبعك منك إناث البهائم الشاردة، التي تقف ليتناحر عليها ذكورها وقوف المملكة المباحة تنتظر المنتصر؛ فتقتل بإباحتها كل النفوس التي زهقت حولها، ولو هي لم تكن كذلك لم يكن شيء من ذلك؛ فكنت ولا جرم في لغة الاجتماع من بعض معاني البهيمة! ... ثم إن هذا وذلك فيك نذير بانقلاب الإنسانية، ونزولها دون حدها، وتراجعها في سبيل الجاهلية الأولى، واتصالها من كل ذلك بوحشيتها الغابرة كأن لم يكن علم ولا دين، ولا تهذيب، فكنت ولا جرم في لغة الاجتماع من بعض معاني الرذيلة والسقوط!
قالت: هم لا يتناحرون علي بأنيابهم، ولا مخالبهم، ولا قرونهم، وإنما يفعلون ذلك بأموالهم.
قلت: فلا جرم كنت بهذا في لغة الاجتماع معنى من معاني السفه، والفقر، والخراب!
قالت: ولكن كم من رجل أحبني، فرأى في آية الإبداع الإلهي، فكان لا ينالني إلا كما ينال المؤمن لذة قلبه.
قلت: فمن ذا أبدع الأصنام، وسلطها على الهوى، ثم سلطها بالهوى على كهنتها وعابديها، فما يرون الحجر المعبود حجرا إلا لأن عليه بناء ملكوت السماوات ... ولا البقرة المؤلهة بقرة إلا لأنها تجر محراث الوجود ... ولا الحشرة المقدسة حشرة تدب دبيبها البطيء إلا لأنها تحمل الخليقة ... لا جرم كنت بذلك في لغة الاجتماع معنى من معاني الضلالة!
قالت: أتحسب أنك أعيبتني في مأخذ الحجج، واستنباط البراهين؟
قلت: فماذا؟
ناپیژندل شوی مخ