58

صديقه بنت صديق

الصديقة بنت الصديق

ژانرونه

نشأت عزيزة في آلها وذويها، عزيزة في بيت أبيها، عزيزة في أعز البيوت العربية بعد زواجها. فمن الحق لها ولنشأتها، ومن الواجب لها ولنشأتها أن يؤبه لها طوال حياتها، وألا يكون فراغها بمثابة الإغضاء عنها.

هذه حقيقة لو التفت لها ولاة الأمر كما ينبغي في حينها لسلمت السياسة العامة في ذلك الحين من جرائر الخطأ الذي وقعت فيه.

ولا بدع في تقرير الحقيقة، ولا في تعظيم خطرها، والتنبيه إلى تبعاتها.

فما من دولة قط إلا قد اتخذت لها أصولا مرعية في سياسة أقطابها، ومراسم كبرائها وكبيراتها توافق ما لهم أو لهن من الشأن في الدولة، وما يكون لميولهم أو ميولهن من الآثار في السياسة العامة، أو السياسة العليا على التخصيص، وهي أصول لم تغفل مرة إلا كان لها أثر غير منظور ولا محسوب له حساب في توجيه الأمور.

وقد كانت «أصول» السياسة العليا في معاملة السيدة عائشة - رعاية لمكانتها وسليقتها - أن تظل بالمكان الذي يستفاد فيه من عملها وعلمها، وأن تعرف لها مهمتها الكبرى في تقرير السنة النبوية، أو تبويب الدستور الإسلامي كما يؤخذ من أحاديث النبي ومأثوراته وعاداته، في معيشته وعباداته، وكان هذا وحده عملا خليقا أن يشغل أيام السيدة عائشة على أحسن الوجوه الصالحة لها وللمسلمين وللدولة الإسلامية.

كان هذا واجبا لها وجوب الحق، ووجوب المصلحة، ووجوب السياسة.

وكان هذا الواجب «أصلا مرعيا» من أصول السياسة العليا أيام أبي بكر وعمر سواء قصدا إليه أو ذهبا فيه مذهب البداهة ومقتضيات الأمور ...

ولكنه خولف أو عدل عنه بعد الخليفتين الأولين. خولف أو عدل عنه لأسباب يرجع بعضها إلى حكومة عثمان، وبعضها إلى طوارئ الزمن، وبعضها إلى السيدة عائشة على اختيار منها أو على ما تحولت بها إليه دوافع الأحوال. •••

جاء الخطأ الأول في هذه السياسة من القائمين بالأمر في حكومة عثمان، وكان خطأ عجيبا حقا؛ لأنه لا يفهم على وجه من وجوه المصلحة، ولا تدعو إليه ضرورة من ضرورات الدولة، ونعني به نقص العطاء الذي كان مقدورا للسيدة عائشة في عهد الفاروق، أعدل من لاحظ العدل في تقسيم الأعطية على حسب المراتب والحقوق.

إن نقص عطاء السيدة عائشة كان يكون سائغا عندها وعند المسلمين والمسلمات إذا دعت إليه حاجة في خزانة الدولة، ولكنه لا يسوغ ولا تستريح إليه النفس والأموال تتدفق على خزانة الدولة بالألوف التي يحار فيها الإحصاء، وغنائم أفريقية وحدها تبلغ مليونين ونصف مليون من الدنانير، فيعطي خمسها لبنت الخليفة وزوجها مروان بن الحكم، وغير ذلك من القطائع والأعطية التي يخص بها القريبات والقريبون ولا يضبط لها حساب.

ناپیژندل شوی مخ