ومضت السنوات الأولى في عشرة النبي وهي تفقه من أحاديثه ما تيسر لها أن تفقه، ولا تقرأ كثيرا من القرآن، أو كما قالت في حديث الإفك: كنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن ... والتمست اسم يعقوب فما أذكره، فقلت: ولكن سأقول كما قال أبو يوسف:
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .
وقد أمهلها النبي في هذه السنوات رفقا بها وإعدادا لفهمها وعزمها، ولكنه لم يفتأ رويدا رويدا يشركها في العبء الذي ينبغي أن تنهض به زوجة النبي وأم المؤمنين، وسفيرته الأولى إلى عالم النساء في عصره وفيما يليه من العصور.
فكانت تحضره إذا بايع النساء أو صلى بهن أو جلسن إليه يسألنه في أمور الدين وآداب الزوجية، ويتفق كثيرا أن يعرض عن الجواب حياء فيوكلها بالتفسير والإسهاب حيث يعز الفهم على سائلاته اللواتي يستقصين في السؤال.
سألته أسماء بنت شكل من نساء الأنصار، كيف تكون الطهارة من المحيض؟ فقال لها: «خذي فرضة ممسكة فتوضئ ثلاثا» أو قال تطهري ثلاثا ... فقالت: وكيف أتطهر؟ قال: سبحان الله! تطهري بها، وأعرض بوجهه حياء، فاجتذبتها السيدة عائشة وكفتها عن سؤاله.
وما زالت - رضي الله عنها - تعي من سنن النبي في المسائل النسائية وغير النسائية حتى احتاج الرجال أن يسألوها، ويرجعوا إليها في كل ما تراجع فيه السنن النبوية من شئون عامة وخاصة، ومن أعم المسائل التي روجعت فيها أن معاوية كتب إليها لتوصيه وترشده فأرسلت إليه تقول: سلام عليك، أما بعد؛ فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس».
فلم يكن أعجب من سؤال معاوية في تعميمه إلا حسن الاختيار في هذا الجواب، وهو ألزم ما يزود به الملوك من وصية وإرشاد.
وقد نهضت السيدة عائشة بأمانة التبليغ والتعليم أحسن نهوض وأوفاه، فتورعت عن كتمان شيء من الأشياء التي تسأل عنها ولها اتصال بقواعد الدين وأصول التطهير وشروط العبادات ونواقض الصلاة والصيام، فأسلوبها في تبليغ هذه الأحكام هو أسلوب التعليم، وأسلوب أم المؤمنين في خطاب بناتها وبنيها من المسترشدات والمسترشدين، ولم يكن في مقدورها أن تتوخى أسلوبا غير هذا الأسلوب ولو عرضت لأخص الأمور التي تسكت عنها النساء؛ لأنها المرجع الذي لا يغني عنه مرجع في سنن النبي ومأثوراته وأعماله، فمن الإخلال بالأمانة النبوية أن تسكت عن سنة مطلوبة يعرضها السكوت للضياع.
ناپیژندل شوی مخ